مقالات في العمارة والأدب والحياة

حين يلبس الشاعر ثوب الداعية

الشعر والفضيلة

حين يلبس الشاعر ثوب الداعية

الشعر والفضيلة

هل المهامُ الملقاة على عاتقِ الشَّاعرِ أصبحت أكبر من ذي قبل، ووضعتهُ في منطقةٍ لا خلاص منها إلّا بلبس ثوب الدّاعية؟ وأنَّ هذا سببٌ كافٍ لأنْ يحرصَ على كتابة الشّعر الّذي يُشيرُ إلى القيمِ الطَّيّبة فقط؟ هل للشِّعرِ دورٌ تربويٌ؟ وهل هناكَ مفهومٌ خاص حول القصيدة بوصفها قصيدة دعارة أو قصيدة طهارة؟

يرى بعضُهم أنَّ على الشاعرِ أنْ يتبنىَّ دورَ الدّاعيةِ والمصلحَ الاجتماعي، وأن يكون نصَّهُ الشِّعري مُعبِّرًا عن واقعٍ أراهُ خياليًّا؛ لأنَّني لا أذكرُ قصيدةً غيَّرت التَّاريخ، أو ملحمة شعريَّة عربيَّة قامت من بعدها ثورة ما.

اقرأ أيضًا: هل مات الشِّعرُ واحتضر الشُّعراء؟

مقالات ذات صلة

أستغربُ كثيرًا ممّن يتّهمون قصيدة ما لفلان بأنَّها قصيدةٌ تثيرُ الحياءَ وتحرِّضُ على الرَّذيلة، فحياءُ المجتمعِ وشرفهِ غير الممسوس ما زالَ كِذبة كبيرة كَذِبنَاها وصدّقنَاها. إنَّ تمزيقنا لقصيدةٍ وتقطيعها؛ ما هو إلاَّ فعلُ اغتصابْ! فمنذُ متى كان للشِّعر دورٌ تربويٌّ؟ ومنذُ متى بِتنا نربطُ القصيدة بالطّهارةِ والفضيلة؟

ماذا استطاع الشِّعرُ والشُّعراء الكبار أنْ يقدموه في السَّنوات الماضية؟ ولكَ أن تتخيَّرَ ماذا استطاع -مثلاً- مظفر النّواب أو أحمد مطر أو نزار قباني أو محمود درويش، أنْ يُغيّروا في عالمنا؟… لا شيء، فالمجتمع بقي كما هو بميزاتهِ وعيوبه، وعالمنا لم يصبحْ أفضل أو أسوأ، إذًا؛ ما قُدِّم من هؤلاءِ وغيرهم لم يكن أكثر من دغدغةٍ لمشاعرِ الإنسان وأحاسيسهِ. هذا ما نحتاجُ إلى أن نفهمه، أنَّنا يجبُ أنْ ننظرَ إلى العملِ الفنيِّ كعملٍ فنيٍّ فقط، من دون أنْ نُحاول إسقاطَ هذا العمل على مجتمعنا. جلّ ما أريدُه؛ أنْ نتذوّقَ القصيدة والفنّ بعفويّةٍ مُطلقة، أن نتخدَّرَ من أثرها، وأنْ نعيش أجواءَها، فنحنُ القرّاءُ عندما نستقبلُ عملًا ما؛ فإنَّنا نستقبلهُ من طريق الإدراك الحسِّي وإثارة الخيال الخالي منَ المنطقِ؛ لأنَّه في الفنِّ تتلاشى حدود المنطق.

يجبُ علينا أنْ نقفَ إزاءَ الشِّعر وَقوفَ المُتأمّلِ، لا أنْ نتَّجهَ باتجاهٍ آخرَ ونُمارسَ دورَ النَّاصحِ، أو الحاكمِ، أو المُصلحِ الاجتماعي، أو أنْ نقفَ في الاتّجاهِ المُعاكسِ لمجرَّد الوقوف. نعم للشِّعر مهمّةٌ؛ لكنَّها مُهمّة انفعاليّة، إنَّها مسُّ لذيذٌ يُخدّرُ قلبك، ينقلك إلى عالمٍ آخرَ مُحلِّقًا فوقَ بطنِ غيمةٍ نحو سهولٍ مِلؤُها الصّدق والعفويّة، ومتى ما وصلني هذا الدَّفقُ الهادرُ منَ المشاعرِ والأحاسيسِ والصُّورِ، ومتَى ما استولى هذا الدَّفقُ على جميعِ أجزاءِ رُوحي، عندئذ أقول إنَّ مهمَّة القصيدة اكتملت، فلا يجوزُ أنْ نطالبَ الشَّاعر بأكثر من هذا.

من حقِّ الشّاعرِ أنْ يتناولَ الجميلَ والقبيحَ، الحسَنَ والسَّيء، المُحترم والمُبتذل، لذا؛ فإنَّ الدَّعوة إلى الأخلاقِ أو إلى الفضيلةِ ليستْ من مَهَامِّ الشَّاعر، بل هي مُهِمَّة من ينتهجونَ المنحى الدّيني أو الاجتماعيّ أو الأخلاقي. من حقّي كشاعرٍ أنْ أصورَ حالةً أو صورةً قبيحة -كما يرى بعضهم- لكن ليس دوري تقديم العلاج. الشِّعرُ كشعرٍ ليس له علاقةٌ بالمنفَعة، وأنا كإنسان –شاعر– لستُ فيلسوفًا أو مُصلحًا اجتماعيًّا أو داعيةً للدِّين؛ لذا لا تطلبوا منهُ أكثر من إمكانيّاتهِ ومن إمكانياتِ الشِّعر.

إذًا؛ الأساسُ في تقييم أيِّ نصٍّ شعري، هو قيمتهُ الأدبيّة، وبتلكَ الطّريقة فقط؛ يُمكننا أن نُدركَ العملَ الّذي يقَعُ في فجاجةِ الألفاظِ الشِّعريّة والمُحتوى العقيم، والعمل الّذي يُشيرُ إلى موهبةٍ أدبيَّةِ حتّى ولو كانت مُجرَّد استعراضٍ باللّغة. الشَّاعرُ يوظِّفُ مفردَاتهِ الجماليّة ليسلِّطَ الضَّوءَ على المُعاناةِ الاجتماعيّة، رُبَّما يُحاولُ إيجاد بعض الحلول، أو تقديم بعض المقترحات على الصَّعيد الاجتماعي؛ لكن هل يُجدي؟ لا أعتقد، وإلَّا لنجَح شُعراؤنا الكبار بتغييرِ قوانين المُجتمع.

تظلُّ العلاقة بين الشّعر والفضيلة علاقة جدليّة، تختلف الآراء حولها وتتّفق.

 # حين يلبس الشاعر ثوب الداعية By محمود قحطان،

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

‫14 تعليقات

  1. أخ (عربي)
    لا داعي لتلكَ المجاملات صدقني أنا أقل من ذلكَ بكثير، كتاباتي يُمكنكَ أن تسميها خربشات أو فلنقل تفكير بصوتٍ عالٍ لا أكثرْ،
    شكراً لكرمِ حضوركَ الدائم.

  2. أهلاً بكَ مرةً أخرى (عربي)
    نعم يا صديقي، رأي يحتمل الجانبين وإن كان الغالب هو الرأي الثاني، وعلى فكرة لستُ أنا أول من يرى ذلكَ، هناكَ شعراء يرون أيضاً هذا، أي أنَّني لم أتِ بالجديد.

  3. أهلاً بكَ أخ (عربي) ،
    شكراً لكلماتك التي تدل على أنَّكَ انسان محترم،
    تصدق قابلني بالأمس شخص أقل ما يقال عنه أنَّهُ تافه، عديم الأخلاق، لا يجيد أسلوب الحوار، والغريبة أنَّهُ يدَّعي أنَّهُ متحضر!!
    لأول مرة أرى إنسان ينزل إلى مستوى الحيوانات بل أقل من ذلكَ بكثير، يريد فرض رأيهِ ليس بالحوار العاقل، بل بالشتائم والاستهزاء، والغريبة أيضاً أنَّهُ يدَّعي أنَّها شجاعة منهُ عندما يقول رأيهُ النجس بهذهِ الطريقة، إنَّهم الدهماء والسوقة يا سيدي، أجارنا الله منهم، فهم أعداءنا الداخليين أشباه الرجال، بل هم الجنس الثالث!!

    شكراً لفيضكَ هنا.

  4. وإن كان يردد البعض أن الشاعر يجب أن يحمل قضية ما
    فأنا افهم من كلامك أنك مع هذا الرأي ولكن من زاوية أخرى
    ربما يحتاج هذا المقال لقراءة أكثر من مرة حتى أفهم

  5. أيها القدير
    أعلم أنني لا استطيع تحضير كلام يكون بحجمك
    وأعلو أنك لن تكون آخر المبدعين في قاموس العرب
    شكراً لكلماتك

  6. صديقي أحمد ، شكراً لرأيكَ النقي

    ربَّما .. ذاكَ .. وربَّما لا ..،

    ففي فحوى كلامي السابق ما يقرِّب وجهة نظرينا ،

    ولكن دعنا نتساءل، هل مازال الشعر يستطيع أنْ يؤثرَ في النفوس؟

    سعدتُ بكَ كثيراً ، أيُّها الجميل .

  7. حياك الله أح محمود
    قد اختلف معك قليلا …
    الشعر وسيلة … منها ننطلق إلى غايات تسمو بنا … أو تُغرقنا في وحل
    الشاعر … مهمته عظيمة .. أعظم من وصف السماء بأنه زرقاء أو الوردة رائحته جميلة أو .. أو
    الشاعر … صاحب رسالة … يبلغها .. إن وصلت .. فلله الحمد ..
    وما تاريخنا المكتوب إلى قصائد سار بها الركبان
    الاماني كثيرة … لنمسك ببعضها ونرسلها أمامنا أهداف تجعل من شعرنا ذا قيمة
    تنضح حكمة .

    سعدت بوجودي هنا

  8. اليد محمود لقد اعجبت في قصا يدك الرئعة واللميزة اتمنا لك مزيد من التقدم

    ويعطيك الصحة والعا فية

  9. أستاذي ، عبدالسلام الحميد
    صباحكَ / مساؤكَ شعراً وعمارة

    أسعدني تشريفكَ لي ،
    ولا يا سيدي لا تظلمني ،
    اطلق عليَّ ما تحب المهم أنْ أكون استحقه …

    مودَّتي وتقديري ،

  10. صباح الخير استاذ محمود

    صباح مختلف جدا بتصفح هندسة الشعر!!

    راقني الموقع كثيرا وأعجبني تنسيقك

    هل أظلمك حين أناديك بمهندس الشعراء؟؟

    دمت بهيا كما أنت

  11. أستاذي محمود قحطان

    بحثت عن وصلة لتوقيع الزوار لم أجد، تصفحت الموقع بأكمله، فوجدت هذه المدونة متميزة ورائعة
    مبارك لك هذا الركن الخاص، ومبارك لنا فنحن سنكون من زوارك الدائمون.

    تحية طيبة

    يُمنى سالم

    1. @ يُمنى سالم،

      أهلاً بالقديرة يُمنى سالم ،
      أسعدني تشريفكِ ليْ كثيراً ،
      وأتمنَّى أنْ تطول زيارتكِ هنا وتتكرَّر ..
      يُسعدني أنْ تنال المدونة على إعجابكِ ، وبانتظاركِ دائماً

      مودَّتي وتقديري ،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!