بين راحتين من ورق

على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت

عنوان الكتاب: على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت.
اسم المؤلف: باولو كويلو.
تاريخ النشر: 2001م،
النّاشر: شركة المطبوعات للتوزيع والنشر.
النّوع: ورقي غلاف عادي، حجم: 21×14، عدد الصّفحات: (205) صفحة.
ترجمة: بسام حجار.
تدقيق لغوى: روحى طعمة.

على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت

«الحبّ أشبهُ بمخدرٍ. في البداية ينتابك إحساس بالغبطة، بالاستسلام التّام. وفي اليوم التالي، تطلب المزيد. لم يُصبح إدمانًا بعد؛ ولكنّك استحسنت إحساسك وتظنّ أنّك قادرٌ على التحكّم فيه. تُفكّر في الحبيب دقيقتين وتنساه لثلاث ساعات؛ ولكن شيئًا فشيئًا، تألف هذا الشّخص وتُصبح متعلقًا به تمامًا. وإذ ذاك تُفكّر فيه ثلاث ساعات وتنساه دقيقتين. وإن لم يكن على مقربة منك، ينتابك الإحساس نفسه الّذي ينتاب المدمنين حين لا يُتاح لهم ما أدمنوه. ومثل المدمنين الّذين يسرقون ويتذللون للحصول على ما يحتاجون إليه، تجد نفسك مستعدًّا لأن تفعل أيّ شيء من أجل الحب».

نهرُ بييدرا أحد أنهر سرقسطة في إسبانيا. على هذا النَّهر جلست بيلار شتاءً، تكتبُ ما حدثَ لها في أسبوع سفرها من مدينتها صوريا إلى مكان حبيبها.

مقالات ذات صلة

عادةً، أوَّل ما يشدُّنا في كتابٍ ما هو عنوانه. العنوانُ طويلٌ لأنَّهُ مُقتبسٌ من عبارةٍ مشهورةٍ جاءَ ذِكرُها في الإنجيلِ على لسانِ اليهودِ بعد خروجهم من أورشليم.

عنوانٌ طويلٌ لروايةٍ تتناولُ صراعَ الإنسان مع نفسه حول ما تربَّى ونشأ عليه من أفكارٍ ومُعتقداتٍ سابقة، والاكتشافاتِ الجديدةِ الَّتي تنتظرهُ في الحياةِ وتفرضُ نفسها من حينٍ إلى آخر. الخُروجُ من الظُّلمةِ إلى نورِ الشَّمس، كسرُ الأساور الَّتي تُقيّدُ سلوكنا، والانطلاقُ في مجالِ حُرِّيتنا اللّانهائي إلى أبعد ممَّا نتوقَّع.

لا شيءَ يبقى على حاله، الحياةُ دائرةٌ مُستمرِّةٌ لا يُمكنُ أن ننظرَ إليها من زاويةٍ واحدةٍ من دونِ أن نُحاولَ أن نُديرَ رأسنا. لا شيءَ ثابت، الأفكارُ كشخصيةِ الإنسان قابلة للتَّغيّرِ والتَّبدلِ متى ما أتحنا لها فرصةً للتّنفّسِ والتّعبير واستكشاف مناطقَ مجهولةٍ أوسع من مداركنا. حين نؤمنُ أنَّنا قابلون للتّطوّرِ؛ نستحقّ أن نعيش! فالحياةُ تستحقُّ أن تُعاشَ بكلِّ مطبَّاتها، وبكلِّ ألمها؛ تستحقُّ أن نمتزجَ في تفاصيلها بكثيرٍ من اللّذةِ، ولا بأس ببعضِ الألم، فالحياةُ –أبدًا- ما كانت عادلة!

هذه الرِّوايةُ هي الأولى من ثلاثِ رواياتٍ تستحضرُ أحداثًا تستمرُّ أسبوعًا لأشخاصٍ عاديّين وجدوا أنفسهم في مواجهةِ الحياةِ والموت، كما هو في روايةِ «فيرونيكا تُقرِّر أن تموت»، أو مُجابهةٍ بين الخيرِ والشَّر، كما هو في روايةِ «الشَّيطان والآنسة بريم».

في أثناء هذا الأسبوع، هل نتقبَّل أقدارنا أم نرفضها؟ هل ستتمرّد على واقعك، وعلى نفسك، وتخرج من عمق بئرك الدَّفين الضَّيق؛ لتَلِجَ إلى حياةٍ أرحب وأوسع، أم لا؟

الرِّواية قصُّةُ حبٍّ بين اثنين، وكيف يتطوّرُ الحبُّ ليتملّكنا حتّى وإن أغلقنا قلوبنا في بداية الأمر. فلا شيء يقفُ في وجه الحب إن جاء، وعندما يجيء يتحدّ الحبيبان في جسدٍ وروحٍ واحدة.

تبدأُ الرِّواية بيوم السَّبت 4 ديسمبر، 1993م. وتستمرُّ أسبوعًا.

تدورُ القصَّة عن فتاةٍ تُدعى بيلار، من سرقسطة في إسبانيا. أحبَّت فتىً منذُ الصِّغر حينما كانا في العاشرةِ من عمرهما، وكعادةِ الفتيانِ النّاشئين في القُرى والمناطق الرِّيفيّة الّذين يطمحونَ إلى الخروجِ والسَّفرِ إلى عالمٍ جديدٍ خارجَ نطاقهم من أجلِ المُغامرةِ واكتشافِ الحياة، خرجَ حبيبها. لم تنقطعْ بينهما الرَّسائل طوال سنوات الغياب، حتَّى التقيا لتبدأ رحلة الكشفِ عن التَّناقضِ في شخصيّاتنا الظّاهريّة والدّاخليّة. وتضعُ أفكارًا حول الحبّ وفلسفة وجوده.

كعادةِ باولو كويلو في مُعظمِ رواياته، وبسبب لغتهِ اليسيرة الواضحة، لا تُثيرُ الصَّفحاتُ الأولى من الكتابِ عددًا من الأفكار أو الأسئلة الخاصَّة، فكلُّ شيءٍ يبدو عاديًّا، حتَّى تعلو حبكة الرِّواية وتبدأُ الأحداث في التَّصاعد، كأيّ (سيناريو) فيلم سينمائي.

من جزءٍ إلى جزءٍ آخر، تتنوّعُ الأفكار وترتفعُ حدَّتها؛ ولأنَّ كويلو تأثّر بالفكرِ الصُّوفي، نجدُ الدِّين والكنيسة والمسيح حاضرين في معظم رواياته، كهذه الرِّواية الَّتي يتحدَّثُ فيها عن العذراء وفكرة الوجه الأنثوي للإله. رُبَّما هذه الأجزاء أكثرها إرباكًا للقارئ، أو أكثرها بعثًا للملل.

عندما تضعُنا الحياةُ في اختبارٍ، إمَّا أن نُجازفَ ونقبل خوض هذا الاختبار، وإمَّا أن تتسمّرَ أقدامنا في مكانها، وتتبخّر أفكارنا حيثُ نحن. كثيرٌ منّا لا يُحبُّ التّغيير، وفي العادةِ الخوف من المجهول هو ما يمنعنا السّير إلى أحلامنا: الأحلامُ الّتي لا تأتي دونَ تعب ودون أن نُحاربَ من أجلها. أيُمكنُ أن تُحقِّق أهدافك دون أنْ تُجازف من أجلها؟

تدعونا الرِّواية إلى التّركيز على «اللّحظة السِّحريّة»، وهي اللّحظة الّتي يهبنا الله إيّاها كلّ صباح، لا نعلمُ في أيّ وقتٍ بالتّحديد، فقد تأتي في أيّ لحظة، وعلينا الانتباه لها وفتح عقولنا وقلوبنا لنحتويها. هذه اللّحظة يُمكننا استغلالها لتغيير السّائد والمُعتاد. تغيير كل ما يُزعجنا ويشقينا. يُمكنها أخذنا خارجَ حدود المكان والزّمان؛ ولكنَّنا نظلّ نُردِّدُ أنّ الأيّامَ مُتشابهات، لا فرقَ بين الأمس واليوم وغدًا؛ حتّى تتملّكنا هذه الفكرة تمامًا وتستحوذُ على كياننا كلّه فلا نستطيع تحقيق مُعجزتنا الخاصّة؛ لأنَّنا لا نُجازف من أجلها. لكنّنا –حقيقةً- يُمكننا أن نعرفَ متى تأتي اللّحظة السِّحريّة! هي اللّحظة الّتي يُمكنُ فيها «نعم» أو «لا» أن تُغيِّر حياتك بأكملها.

«إنَّ اللَّحظةَ السِّحريَّة في كلِّ نهارٍ تُعيننا على التَّغيير، وتحثُّنا على السَّعي وراء أحلامنا».

مشكلتنا، أنّنا نبقى عبيدَ العادةِ، نظنُّ أنّنا أفضلُ من غيرنا وأنّ حياتنا عظيمةٌ ولا تحتاجُ إلى خلخلةِ أنظمتها. يبقى هذا الوهمُ يركبنا كلّما حاولنا التمرّدَ عليه. لا نُجازفُ، ولا نُفكِّرُ، ولا نُحاولُ حتّى اكتشافَ معنى التّغيير وما قد يُضيفهُ على حياتِنا. الحقيقةُ أنّه لا يهمُّ إن كان خيرًا أو شرًّا، ولا يهمُّ إن أخطأنا أو أسأنا إلى أنفسنا حين أردنا المُجازفة، المهم أنَّنا حاولنا، وفي هذا شرف؛ فالّذين لا يُحاولون يرحلون سريعًا بلا أثرٍ ولا ذِكرى، وبلا شيءٍ يُمجِّدُهم بعد موتهم. الأمرُ يحتاجُ إلى ثورةٍ على النّفس، ثورةٍ على الذّات.

بيلار، الشَّخصية الرّئيسة في الرِّواية، اختلفَ لديها ما يُسمّى «القوس العاطفي»، ففي بداية الرِّواية نجدها من هؤلاء النّاس الّذين يخشونَ التّغيير ولا يُحبِّون المُغامرة ويبحثون عن راحة البال من دون عناءٍ أو تعب. يتقبّلون واقعهم كما هو، مُلتزمون بما تربَّوا ونشأوا عليه. لكنّها بعد ذلك تتذّمر على ذاتها، وتخرجُ من القوقعةِ الّتي حبستْ نفسها فيها طويلًا؛ وذلك بعد أن التقت برفيقِ طفولتها وحبيبها الّذي جعلها تنظرُ إلى الحياةِ بمنظارٍ مُختلف. نعيشُ معها صراعها في بحثِها عن الشّريكِ الآخر، وعن الحبِّ الّذي هو غايةُ الوجود. أمّا رفيقها فقد أحبَطنا في نهايةِ الرِّواية؛ فمع أنَّهُ خبرَ الحياة وعافَرَ فيها وتعلّم الكثير إلّا أنّهُ في النِّهايةِ يتنازل عن ذلك كلِّه من أجلها. هذه هي طبيعةُ البشر عندما يتعلّقُ الأمر بمستقبلهم ومسار حياتهم الجديدة. صراعٌ مٌستمرّ بين المُمكن والمُحتمل، بين الواجب وما يجوز. وخوفٌ من القادم الذي لا نعلمه. نشكُّ في قراراتنا، هل ما اتخذّناه صحيحًا أم لا؟ هل أخطو هذه الخطوة أم أؤجلها أم ألغيها؟ وغيرها من الأسئلة الّتي تضربُ في رأسنا كالزِّلزالِ الّذي لا يهدأ حتّى يُنهكنا من كثرةِ التّفكير وشدّته.

على نهر بييدرا هناك جلست فبكيت By محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!