أساسيات الشعر

أساسيات الشعر: ما الشعر؟

ما الشعر؟

تُريد أن تكتب قصيدة؟ أُقدِّرُ ذلك؛ ولكن قبل أن تكتب عليك أن تعرف ما الشعر؟ أي ما الفروقات بين أنواع القصائد المُختلفة؟

هذه مشكلة يُعاني منها (75%) ممَّن يكتبون الشّعر وينشرونهُ في الإنترنت وأقرأُ لهم. معظمهم يكتبُ ولا يعرف الفرق بين القصيدة العموديّة وقصيدة التَّفعيلة، أو الفرق بين النَّثر والشِّعر أو حتَّى الخاطرة، هذه المُشكلة تجعل الكاتب يكتبُ بلا إشاراتٍ توجِّههُ، وبلا شروطٍ أو قيود تحكمه. تجعلهُ يخلطُ بين أنواع الشِّعر المُختلفة، فلا يعرف إن كان يكتب قصيدةَ تفعيلة أو قصيدة نثر أو غيرهما، وعندما تسألهُ يُخبرك إنَّهُ لا يهتمّ بذلك، وإنَّهُ يكتب من أجلِ الكتابة فقط، يكتب لإخراج مشاعره وأحاسيسه الّتي تحتَّله. هذا الكلام لا غُبار عليه ما دام الكاتب (هاوٍ) أي: أنَّهُ لا يطلب منَّا أن نعترفَ بهِ كشاعرٍ مُحترفٍ، فليكتبْ هذا النّوع من الكتّاب كما يُريدُ أو يُحبّ فلن يُحاسبه أحد؛ أمَّا إن أرادَ أن ينضمَ إلى بَلاط الشِّعر وصالون الشُّعراء، ففي هذه الحال لا نستطيع التَّغاضي عن أخطائهِ، فكيف يُريد منَّا أن نعترفَ بهِ كشاعرٍ وهو لا يُدركُ نوع الفنّ الّذي يكتبه؟!

هي إشكاليّة تمييز، ويجبُ أن يكون الكاتبُ صادقًا مع نفسه ويعترفُ بوجودها؛ لأنَّه الخاسر الوحيد، فالسّواد الأعظم من المُتلقّين لا يعرفون هذه الاشتراطات الواجب وجودها في فنِّ الشِّعر، وعلى الكاتبِ أن يكون أمينًا مع نفسهِ ومع القُرَّاء، وألّا تأخذه العزّة بالإثم فيتمادى في الخطأ، ويُقنع نفسه أنَّنا نحسده أو نحقد عليهِ أو نُهاجمه لمُحاولتنا إصلاحه، وعليه أن يتقبَّل النَّقد، وأن يقتنع أنّ النّصّ إنْ غادرَ بابهُ وتسرّب من بينِ أصابعهِ؛ فإنّه لم يَعد في يدهِ وأصبحَ ملكًا للنّاسِ، ومن حقِّهم أن ينتقدوه.

لذا؛ ما الشعر؟

في بعض الأحيان تجدُ في جملِ القصيدةِ إيقاعًا وقافيةً تحكُمها، على سبيل المثال «القصيدة العموديّة» و «قصيدة التَّفعيلة»، و «قصيدة النَّثر» تحوي إيقاعها الخاص أيضًا، وكلّ نوع من هذه الأنواع لهُ شروط مُعيَّنة لتأديته.

أنا هنا لا لأضعَ تعريفًا لشيءٍ لا يُمكن تعريفَه أو حصرَه بالكلماتِ، أنا هنا لأتحدَّث عن فئةٍ تَعدّ القصيدة قصيدة إذا استطاعت أن تُحرّكَ مشاعرنا؛ فكسبتنا في صفِّها، أتَّفقُ مع هذا الكلام، وأضيف: أن تحوي لغةً جميلةً، ومعنىً أفضل، وكلماتٍ أقوى.

دونك بعض الاقتباساتِ حول ما الشِّعر؟

الشُّعراء:

محمود سامي البارودي: «لمعةٌ خياليّة يتألَّقُ وميضُها في سماوةِ الفكرِ، فتنبعثُ أشعتُها إلى صحيفةِ القلبِ، فيفيضُ بلألائها نورًا يتَّصلُ خيطهُ بأَسَلَةِ اللسانِ، فينفثُ بألوانٍ من الحكمةِ، ينبلجُ بها الحالك، ويهتدي بدليلها السالك».

أحمد شوقي: «والشِّعرُ إن لم يكن ذكرى وعاطفة/أو حكمة فهو تقطيعُ أوزانِ».

جميل صدقي الزهاوي: «والشِّعرُ ما اهتزَّ منه روح سامعه/كمن تكهرب من سلكٍ على غفل».

أمين نخلة: «أنا لو سُئلتُ لقلتُ في تعريفه/طربٌ يهزُّك كالغناءِ الصَّاخبِ».

نزار قبَّاني: «الشِّعرُ ليس حماماتٍ نُطيِّرُها/فوقَ السَّماءِ ولا نايًا وريحَ صبا
لكنَّهُ غضبٌ طالت أظافرُهُ/ما أجبنَ الشِّعر إن لم يركبِ الغضبا».

أبو القاسم الشابي: «يا شعرُ أنت فمُ الشُّعورِ/وصرخةُ الرُّوحِ الكئيبْ».

إيليا أبو ماضي: «لستَ منِّي إن حسبتَ/الشِّعر ألفاظًا ووزنًا».

معروف الرَّصافي: «الشِّعرُ فنٌّ لا تزال ضروبُهُ/تتلو الشُّعورَ بألسُنِ الموسيقى».

علماء اللّغة والأدب والفلاسفة:

التَّعريفُ الأشهر: «كلامٌ موزون مقفي يدلُّ على معنى».

الجاحظ: «فإنّما الشّعر صناعةٌ، وضَرْب من النَّسج، وجنسٌ من التَّصوير».

الشريف الجرجاني: «كلامٌ موزونٌ مقفّى على سبيلِ القصد».

ابن خلدون: «الشّعر هو الكلامُ البليغُ المبني على الاستعارةِ والأوصاف، المفصّل بأجزاء متّفقة في الوزن والرّوي، مستقلّ كلّ جزءٍ منها في غرضِه ومقصده عمّا قبله وبعده، الجَاري على أساليب العرب المخصوصة به».

أبو حيان الغرناطي: «هو كلامٌ موزونٌ مقفّى، يدلّ على معنى تنتخبه الشّعراء من كثرة التّخييل وتزويق الكلام».

ابن سينا: «الشّعر كلامٌ مُخيّل مُؤلّف من أقوالٍ ذواتِ إيقاعاتٍ مُتّفقة، متساوية، متكرّرة على وزنها، مُتشابهة حروف الخواتيم».

أحمد فارس الشدياق: «سُبحان من جعلَ الشُّعورَ شعارَهُ/ولكم ترى من شاعرٍ لا يشعرُ».

ممَّا ذُكِرَ آنفًا؛ نكتشف أنَّ الوزنَ والقافيةَ ركنان مُهمَّان من أركان القصيدة، بل بعضهم لا يَعدّ الشِّعر شعرًا إلَّا بهما بسبب أنَّ الوزنَ والقافيةَ من مُميِّزات الشِّعر لا النَّثر، ونُدركُ أنَّ الوزنَ والقافيةَ ليسا كلّ شيء، فنحنُ نحتاجُ إلى الاهتمام بالمعنى والغرض والألفاظ المُستخدمة، وأن نمتلك جودة التَّصوير وحُسن الخيال، وكما قرأنا فبعضهم لا يعدّ الشِّعر شعرًا إن كان يخلو من الحِكمة، وكثيرٍ من الأشياءِ المُعبِّرةِ عن ما الشِّعر الّتي اختلفَ حولها النُّقاد والشُّعراء أنفسهم.

يُمكنك قراءة المزيد حول ما الشِّعر هنا.

ما الفرق بين الشِّعر والنَّثر؟

الفرقُ الجوهريُّ بينهما، أنَّ النَّثر بلا وزنٍ ولا قافية، يُشبهُ النّثرُ الخواطرَ، كلام مُرسل لا يحكمه شيء. أمَّا أصحاب مصطلح «قصيدة النَّثر»، فهم يستعيضون عن الوزن والقافية بوجوبِ وجودِ إيقاعٍ داخلي أو موسيقى ما، تُعطي لقصيدة النَّثر خصوصيتها.

هل قصيدة النَّثرِ شعرٌ أم لا؟ تَخلُّصًا من هذا الجدل، يُمكن أن نقول: إنَّ الشِّعرَ هو قصيدةٌ مكتوبة مع الشُّعور والإحساس، والنَّثر قصيدة مكتوبة مع التَّفكير.

بالتَّأكيد ليس المقصود من الشِّعر الشُّعور فقط، فيمكنك الكتابة عن أيِّ شيءٍ كالدِّين مثلًا.

هل يُمكن أن تقول ما الشعر؟ لا تحبس رأيك وضعه في التّعليقات!

# أساسيات الشعر: ما الشعر؟ By محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

‫2 تعليقات

  1. موضوع موفق جدا لتفسير ماهية الشعر، ولكن البعض لا يعترف بالشعر الحديث ويصفه بأنه خروج عن القواعد الشعرية وما إلى ذلك، وفي من رأيي أن الأمر لا يجب اختزاله في وصف معين، سواء كان الكلام شعرا أو خاطرة، فالمهم هو الإحساس والرسالة التي يهدف الكاتب لإيصالها

    1. عُدَّت قصيدة النّثر من الشّعر الحديث، وهي الّتي لا يتقيّد فيها الكاتب بأركان الشّعر المعروفة من وزن وقافية وغيره. في النّهاية كلّ كلام جميل، كُبت بطريقةٍ مُبتكرة غير ساذجة ولا بدائيّة، في شيءٌ من الشّعر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!