تِقنيَّاتُ الشِّعر

تقنيات الشعر: حول التقنيات الأدبية Poetry Techniques

حول التقنيات الأدبية Poetry Techniques

هناك اعتقادٌ سائدٌ أنّ الشِّعرَ موهبةٌ طبيعيّة منحها الله لبعض خلقه، وفي هذا الكلام كثير من الحقيقة؛ ولكن ممَّا لا شكَّ فيه، أنَّ الشِّعرَ هو (فن) كغيرهِ من الفنون. مع بعضِ تقنياتٍ شعريّةٍ مُعيّنة، فإنَّ أي شخص لديه موهبة في الكتابة التّعبيرية، يُمكن أن يتعلَّم هذا الفن والكتابة في أنواع الشِّعر المُختلفة. تقنيات الشعر: حول التقنيات الأدبية Poetry Techniques.

كثيرةٌ هي التِّقنيات الأدبيّة التي يُمكن استخدامها؛ ولكنَّنا نستخدم بعضها أكثر من غيرها. والتِّقنية هي: مجموعة من الأدوات المُستخدمة في كتابةِ قصيدةٍ أو أيِّ عمل أدبي. هذه التِّقنيات استُخدِمت على مرِّ العصور لأنّها تساعد على جلبِ الصُّور والانفعالاتِ للشِّعر والقصص والمسرحيات؛ لذلك عندما أكتب قصيدة أُفكِّر حول التِّقنيات الّتي سأستخدمها.

فهل تُريد أن تعرف ما تقنيات الشعر تلك؟

تقنيات الشِّعر الأساسية وأنماطه:

لا يعني امتلاكك موسوعة من المُفرداتِ والكلماتِ قدرتك على لمسِ روحِ القارئ، أو تقديم المعنى على النَّحو المنشود، أدناه بعض التِّقنيات الأدبية والأمثلة الّتي ستُساعدك على فهم فنّ الشِّعر وتعلّمه. كُن على علمٍ أنَّها أفضل التِّقنيات الأدبيّة المعروفة ولكن ليست جميعها. يُمكنك استخدام ما تُريد منها، فلا يوجد شاعران مُتشابهان تمامًا في استخدامهما التِّقنياتِ في أثناء كتابتهم القصيدة، فلكلِّ شاعر أسلوبه وطريقته. إضافةً إلى أنَّ إجادة هذا الفنّ يتطلَّب الالتزام والمُمارسة المُستمرَّة. فلا تعتقد بسهولته.

الغلو

في الشِّعر ليس هناك شيء يُسمَّى “غير معقول”. في الشِّعر يُمكنك قول أيِّ شيء. الغلو تعابير أو تصريحات مبالغ فيها بحيث تكون عجيبة وصادمة. يلجأ لها كثيرون للتَّركيز على فكرة أو موضوع مُعيَّن، أو إظهار كثافة عاطفية من الشَّيء المُشار إليه. ويُمكن الحصول على الغلو بوساطة الإستعارة والتَّشبيه لخلقِ القوى البصرية والتخيلية المرغوبة. كقول أبي نواس في الرَّشيد: وأخفتَ أهل الشِّرك حتَّى إنَّه/ لتخافك النُّطف التي لم تخلق.

التَّهوين

عكسُ الغلوّ أو التَّهويل. كلماتٌ قليلةٌ لنقل عاطفتك وشعورك الحقيقي. المهم ألّا تكون بسيطًا بساطة السَّاذج، أو أن تكون واضحًا وضوحًا أحمقًا. كقول نزار قبَّاني: أنا هاربٌ من كلِّ إرهابٍ يُمارسهُ جدودكِ أو جدودي. معنىً واضحٌ ويسيرٌ وجميلٌ وراقٍ في الوقتِ نفسه.

التَّجسيم أو التَّجسيد

تقنية في الشِّعر تُستخدمُ لتجسيد أو تصوير كائنٍ غير حيٍّ كما لو كان كائنًا حيًّا. بمعنىً آخر، استخدام جسم الإنسان أو عنصرٍ أو صفةٍ بشريّةٍ مع شيءٍ غير بشري، على سبيل المثال: عندما تتفتَّحُ أصابعُ الأزهار.

التَّشبيه

التَّشبيه هو أحد التّقنيات المُستخدمة بكثرة، ولا تكاد تخلو قصيدة من التَّشبيه. وهو عادةً يُقارنُ بين شيئين –أو أكثر- مختلفين باستخدام: «مثل» أو «كـ» أو «كما» وما شابههم. وفي معظم الأحيان يُستخدمُ التَّشبيهُ دون وعي. مثال: ركضتُ كالحصان. استخدم الكاتب «كـ» ليُشبِّه ركضه بركض الحصان.

الاستعارة

تقنية مهمَّة تعطي الكُتَّاب مزيدًا من القوّة للتّعبير عن أفكارهم حول وضعٍ مُعيّن. يُشبهُ التَّشبيه؛ ولكنَّها مُقابلة مباشرة بين شيئين مختلفين دون استعمال أداة أو كلمة مُقابلة كاستخدام «مثل» أو «كـ». فعلى القارئ أن يكون قادرًا على إدراك المُقابلة. على سبيل المثال: «أتجوَّلُ وحيدًا مثل سحابةٍ»، هذا تشبيهٌ، أمَّا الاستعارة فهي مثل «أنا سحابةٌ تجولُ في الوحدةِ». لذا على القارئ إدراك المعنى الصَّحيح للمُقابلة؛ ولكن يجب الحذر عند استخدام هذه التّقنية؛ لأنَّهُ لا يجوز استخدام استعارة ميِّتة. إضافةً إلى أنّ الاستعارة لا يُمكن عدّها مجازًا، فالمجاز لا يُقصد به التَّشبيه.

المُحاكاة الصَّوتية

تُستخدم هذه التّقنية لمن يريد أن يكتب قصيدة موزونة لكنَّهُ لم يدرس العروض وأوزان الشِّعر العربي. وهي تقنية سهلة تعتمد على التَّهجئةِ أو تقليد الصَّوت الّذي تسمعه (مُحاكاة الإيقاع). لها طريقتان: مباشرة وغير مباشرة، المُباشرة على إيقاعِ الكلمة نفسها، أي: تكتب على نغمة الكلمة المُختارة نفسها، على سبيل المثال: (فضاءٌ، سماءٌ، بلاءٌ، …إلخ). الطَّريقةُ غير المباشرةِ هي: الطَّريق الأقلّ وضوحًا حيثُ على الشَّاعرِ استخدام الكلمات أو أجزاء منها لإبداع الجوّ الموسيقي نفسه. مثلًا بيت الشِّعر «إذا الشَّعبُ يومًا أرادَ الحياةَ»، قراءة الشَّطر بصوتٍ عالٍ أكثر من مرَّة يجعل إيقاعهُ يرسخ في الذَّاكرة ما يُتيح لنا الكتابة على الإيقاع نفسه بسهولة، مع اكتشافِ مواضع اختلالِ الوزنِ من طريقِ الإدراك الحسّي والسَّمعي.

الموسيقى الدَّاخلية

تكوينٌ موسيقي ينسجم مع المعاني، ويُؤثِّر في نفسِ المُتلقي. مثال لهذا الأمر: «وشرَعتَ تصعدُ مثلَ وحشٍ شاردٍ شُرُفاتِ عرشي كي تدورَ بشوكتِكْ». الموسيقى الدَّاخلية المُتمثّلة بتكرارِ صوت (الشِّين) في الألفاظ: شرعت، وحش، شارد، شرفات، عرشي، شوكتك. أحدث تكرار هذا الحرف نغمًا موسيقيًا مُحبَّبًا يستقرّ في نفسِ القارئ.

الجناس

تشارك أكثر من كلمةٍ في المقطعِ الصَّوتيّ نفسه. تشاركهما في النُّطق مع اختلافِ المعنى. مثل قوله تعالى:﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ فنرى تشابه الكلمتين (ساعة) مع اختلافِ معنى كلًا منهما. وكقول أبي نوّاس يعترف: مِنْ بَحْرِ شِعْرِكَ أغْتَرِفْ/وبِفَضْلِ عِلْمِكَ أعتَرفْ. وفي النَّثر: «كُنْ طيّب الأردان وإنْ لم تلبسِ الأردان».

السَّجع

هو تكرارُ الأصواتِ اللّينةِ داخل المقاطع، أي: تشابه الأحرف الأخيرة بين كلمتينِ أو أكثر. يُستخدم هذا في عددٍ من الظّروفِ المختلفة. ونجد السَّجع في الشِّعرِ كقول أبي تمَّام: تَدْبيرُ مُعْتَصِمٍ بِاللَّهِ مُنْتَقِمِ/للهِ مرتقبٍ في الله مُرتغبِ، نجدُ هنا أنَّهُ جعلَ كلّ من شطري البيتِ مسجوعًا سجعةً مُخالفةً للسَّجعةِ الّتي في الشَّطرِ الآخر. فالشَّطر الأوّل سجعته الميم، والشَّطر الثَّاني سجعتهُ الباء. نجده في النَّثر أيضًا، وهو مكانه الطَّبيعي، ففي الشِّعر يُصبح (قافية). من الأمثلةِ الشَّهيرةِ للسَّجعِ في النَّثرِ خطبة قس بن ساعدة الإيادي حين قال: «أَيُّهَا النَّاسُ، اسْمَعُوا وَعُوا، إنَّهُ مَنْ عَاشَ مَات، وَمَنْ مَاتَ فَات، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آت، لَيْلٌ دَاج، …إلخ». وكما قرأنا فإنَّ السَّجع جميل لاستمالةِ الأذن.

التِّكرار

تكرارُ كلمةٍ أو عبارةٍ أو جملةٍ مرارًا وتكرارًا في مقاطعَ مُتفرِّقةٍ من القصيدة. للفتِ انتباهِ القارئ إليها، وللتَّركيز على الانفعالِ أو الحدث، وهو وسيلةٌ فنيّةٌ لاستحضار الإيقاع، وطريقةٌ جميلةٌ لإبداعِ نغمٍ داخليٍّ لتنميةِ جوٍّ نفسيٍّ خاص. يُستخدم التَّكرار كثيرًا في شعر الأطفال. مثال لهذا النَّوع تكرار نزار قباني لعبارة: فأنَا لا أملكُ في الدّنيـا إلّا عينيـكِ وأحـزاني. حيثُ كرَّرها الشَّاعرُ ثلاثَ مرَّاتٍ لتأكيدِ حزنه.

التَّضاد أو الطِّباق

استخدام كلمة وعكسها. مثل: (مَكَّنَ) وعكسها (صَعَّبَ، أَغْلَقَ، عَسَّرَ، أَعْضَلَ).

تُعَزِّزُ هذه التِّقنيات الأساسيّة الشُّعور وتُمكِّن القارئ من فهم الشِّعر بالطَّريقةِ نفسها الّتي أراد الشَّاعر التَّعبير بها، فتُقلِّل مجالات سوء التَّفسير. هذه التِّقنيات موجودة في جميعِ القصائدِ المُهمَّةِ على مرِّ التَّاريخ، سواء في الأدبِ العربيّ أو الأدبِ الغربيّ، وضمن قصائد المُحترفين والهواة على حدِّ سواء. وهي ليست كلّ شيء.

آمل أن تكون المادة المذكورة آنفًا من التِّقنيات وأمثلته الواردةِ قد ساعدت على فهم أنماط مختلفة في فنِّ الشِّعر.

ماذا عنك؟ ما التقنيات الأدبية الّتي تستخدمها أكثر من غيرها؟ يُرجى وضع خبراتكم في التَّعليق.

# تقنيات الشعر: حول التقنيات الأدبية Poetry Techniques بواسطة: محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

‫10 تعليقات

  1. الشهر أساسه موهبة، ولكن يمكن إمتلاك أوادوات كتابة القصيدة، إلا أن كتابة قصيدة تعجب القارئ صعب وهنا تكمن الموهبة في كتابة الشعر

  2. الشعر موهبة ولا يستطيع اكبر النقاد والادباء مع سعة علمهم واطلاعهم ان ياتوا ببيت شعر واحد.التقرير اقل من متواضع .تحياتي.

  3. ,

    تحيّاتي لك مهندس محمود
    ما زلتُ متابعًا لمواضيعك رغبةً
    في التعلّم أكثر, فما تطرحهُ يستحقُ القراءة
    لما فيه من فوائد ودروس كبيرة .

    جميلٌ دومًا وبالتوفيق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!