متلازمة المربع المفقود: انعكاس للخسارة المتصورة والمرونة البشرية
مقدمة
عندما تشاهد فسيفساءً جميلةً فإنّك تستمتعُ بها؛ ولكن إذا وجدت بعضَ القطعِ المفقودة فإنّ دماغك يُنبّهك إلى هذا النّقص ويجعلك تركّز فيه. هذا تعريف متلازمة البلاطة المفقودة؛ أي: ميل الإنسان إلى التّركيز على ما هو مفقود أو ناقص، بدلًا من تقديرِ الوَفرةِ الّتي تُحيط بهِ، وغالبًا ما تظهر متلازمة المربع المفقود في النّسيج المعقّد للعواطفِ البشريّة؛ فهي تُعَبِّرُ عن ميلِنا إلى التّركيزِ على الفجواتِ والخسائرِ في حياتنا الّتي تطغَى على البركاتِ والفُرصِ الموجودة. فكيف يُمكن التّغلّب عليها؟ في هذا المقال سنتحدّثُ عن هذه المتلازمة وكيفيّة التّخلّص منها لكي يعيش الإنسان حياةً سعيدةً.
مظاهر متلازمة المربع المفقود
تتجلّى متلازمة المربع المفقود في جوانب مُختلفة من حياةِ الإنسان، وتشمل: المجالات الشّخصيّة، والمهنيّة، والمجتمعيّة. على المستوى الشّخصي، يُمكن أن يظهر الشّعور بالسّخطِ أو الشّوقِ أو النّدم على ما يُنظر إليهِ على أنّهُ مفقودٌ في حياةِ المرْء. قد يكون التّوق إلى أهدافٍ غير مُحقّقة، أو علاقاتٍ غير مُحقّقة، أو فرصٍ ضائعة. في المجال المهني، قد يُركّزُ الأفرادُ على الانتكاساتِ المهنيّةِ أو الطّموحاتِ غير المُحقّقة، أو عدم الاعتراف المطلوب. مجتمعيًّا، يُمكنُ مُلاحظة هذه المتلازمة بوساطةِ التّركيز الجماعي على المشكلاتِ المجتمعيّةِ، أو الاستقطابِ السّياسيّ، أو التّوق إلى ماضٍ مثاليٍّ؛ ما يُلقِي بظلالهِ على التّقدُّم المحرِز.
الأسباب والتّداعيات
أسباب متلازمة البلاطة المفقودة مُتعدّدة الأوجه، مُتجذّرة في علمِ النّفسِ البشريّ والتّأثيرات المجتمعيّة. يَكمنُ أحد الأسباب الرّئيسة في ميلنا التّطوّري إلى توخّي الحذر مِنَ التّهديداتِ والخسائر المُحتملة. أدمغتُنا مُصمّمة لفحصِ البيئةِ بحثًا عنِ الأخطار والعجز؛ ما قد يُؤدّي إلى التّركيز المفرط على ما هو مفقود بدلًا ممّا هو موجود. إضافةً إلى ذلك، يُمكن أن تُسهمَ الضّغوطُ المجتمعيّة، والمقابلات الاجتماعيّة (المُقارنات)، والتّأثيرات الإعلاميّة في الرّغبةِ المستمرّة في المزيدِ؛ ما يُغذّي تصوّر المربع المفقود في حياتنا.
الآثار المترتبة على هذه المتلازمة كبيرة. يُمكن أن تُعيقَ النّمو الشّخصي، وتُقوّض الرّضا والقناعة، وتُديم حلقةً مِنَ الاستياءِ الدّائم. إنّهُ يعمينا عنِ الجمالِ والوفرةِ الّتي تُحيط بنا؛ ما يجعل مِنَ الصّعبِ تقدير النِّعَم في حياتنا. فضلًا على ذلك، يُمكن أن يؤدي التّركيز المستمرّ على المربعات المفقودة إلى توتّرٍ مُزمنٍ، وقلقٍ، وتضاؤل الشّعور بالرّفاهيّة.
استراتيجيّات للتّغلّب على متلازمة البلاطة المفقودة
يُعَدّ التّعرّف إلى متلازمة البلاط المفقود ومعالجتها أمرًا بالغ الأهميّة للرّفاهيّةِ الشّخصيّةِ والعاطفيّة. فيما يأتي بعض الاستراتيجيّات للتّغلّبِ على هذه المتلازمة وتعزيز المرونة:
- تنمية الامتنان: مارس الامتنان بالتّركيز عمدًا على ما لديك بدلًا ممّا ينقصك. عَبِّرْ بانتظامٍ عن تقديرك للبركاتِ، والعلاقات، والفرص الموجودة في حياتك.
- تغيير المنظور: تَحدّى الأفكار السّلبيّة، وأعد صياغتها في رواياتٍ أكثر إيجابيّة أو واقعيّة. ركِّزْ على ما أنجزتهُ والتّقدّم الّذي أحرزته، بدلًا مِنَ التّركيزِ على الخسائر المُتَصَوّرة.
- اليقظة والتّفكير الذّاتي: مارس التّأمّل لجلبِ الوعي إلى اللّحظةِ الحاليّة، وتعزيز الشُّعور بالقَبول والرّضا. فَكِّرْ في قِيَمك، ونقاط قوّتك، وإنجازاتك؛ للحصولِ على منظورٍ أوسعٍ لحياتك.
- ضع أهدافًا واقعية: ضع أهدافًا قابلة للتّحقيقِ وذات مغزى، تتوافقُ معَ قِيَمك وتطلّعاتك. قسّمهم إلى خطواتٍ أصغر وقابلة للتّنفيذِ؛ للتّركيزِ على التّقدّمِ بَدلًا مِنَ الكمالِ.
- طلب الدّعم: تواصل معَ أحبّائك أو أصدقائك أو محترفين يُمكنهم تقديم الدّعم ووجهات النّظر. يُمكن أن تُساعدَ مشاركة تجاربك ومخاوفك في التّخفيفِ مِنَ الشُّعورِ بالمربع المفقود وتقديم الإرشادات؛ فالعلاقات الإيجابيّة لها تأثيرٌ كبيرٌ في سعادةِ الإنسان النّفسيّة والعاطفيّة.
- قبول الأمور الّتي لا يُمكن تغييرها: حين نتفوّقُ في التّعاملِ معَ الواقعِ الّذي نعيشُ فيه، ونعترف أنّ بعضَ الأمورِ في حياتنا لا يُمكن تغييرها، نتخلّصُ مِنَ القلقِ والتّوتّر النّاتج عَنِ الاهتمامِ بما هو خارج نطاق سيطرتنا. بدلًا مِنَ الاحتفاظِ بالحُزنِ لأنّ الشّيء لا يُمكن تغييره؛ يُمكننا البحث عَنِ الأشياءِ الّتي يُمكنُ تغييرها والعمل على تحسينها، ومن هذا المنطلق يسهّل قَبول الأمور التي لا يُمكن تغييرها.
خاتمة
تُعَدّ متلازمة المربع المفقود مِنَ الجوانبِ الشّائعةِ الّتي يجري تجاهلها في كثيرٍ مِنَ الأحيانِ في علمِ النّفسِ البشريّ. من طريق الاعتراف بوجودها وتنفيذ استراتيجيّاتٍ للتّغلّبِ عليها؛ يُمكننا تعزيز الامتنان والمرونة والشّعور بالإشباع. بوساطةِ التّركيزِ على ما لدينا بدلًا ممّا ينقصنا؛ يُمكننا تقدير الفسيفساء المعقّدة في حياتِنا، والتّغلّب على التّحديّاتِ بإحساسٍ أكبر بالرّضا والسّلام. يُتيح لنا احتضان اللّحظة الحاليّة وتنمية الامتنان استعادة منظورنا، وإيجاد العزاء في الصّورةِ الكاملةِ بدلًا مِنَ التّثبّتِ بالمربع المفقود.
# متلازمة المربع المفقود: انعكاس للخسارة المتصورة والمرونة البشرية By محمود قحطان،

