الزواج الخطيئة القاتلة
الحبُّ شهوةٌ…
وما أجملها من شهوة! نُمارسها في كلِّ لحظةٍ من حياتنا ولا نملُّها. يتطلَّبُ الحبُّ:الثقة، والصّراحة، والوضوح، والإيثار. قال عنهُ ابن حزم: ‹‹أوّلهُ جدٌّ، وآخرهُ هزل››. ما أجملَ الحبّ! يجعلنا ننقلبُ ضدّ أنفسنا لنجعلَ الآخر بأفضلِ حالٍ. يأخذنا حتَّى حدودَ السَّماءِ، فندعكُ ظهرَ النّجومِ ونفترشُ القمَر.
الحبُّ تجربةٌ فريدةٌ ومهمّةٌ؛ ولكن هل تكفي تجربةُ الحبِّ نفسها كحالةٍ غريزيّةٍ نعيشها؟ أم أنَّ كلّ طرفٍ يرنو إلى الالتصاق الدّائمِ بالآخر، وأن يكونَ مع توأمهِ، بالزّواج؟
في كلِّ علاقةٍ جديدةٍ تبدأُ، تكونُ مشاعرُ الحبِّ فائضةً من دُون ترويضٍ، تكون في أوجِ انفعالاتها، يُصبح الحبُّ أعمى –كما يُقال-؛ ولكن شيئًا فشيئًا؛ ومع تعمُّقِ الرّجل داخل قلعةِ امرأته، يبدأ باكتشافِ الحقيقة الإنسانيّة لها، فهي ليست كائنًا ملائكيًّا، أو عسلًا طيبًّا في كلِّ وقتٍ، ومرَّةً بعد مرَّة يبدأُ بالاقتناع باحتياجِ امرأتهِ إلى تعديلاتٍ في كثيرٍ من سلوكيّاتها، كثيرٍ من شخصيّتها، يبدأُ برؤيةِ الحبّ من منظارٍ مُغاير؛ فلا تعود حبيبتهُ كما كان يتوقَّع طيفًا جميلاً يُراودهُ.. فيبتسم.
الحبُّ هو التجدّدُ والقدرةُ على طمسِ معالمِ الرّكود. الحبُّ هو الّذي يتجاوز الحياة الرّتيبة والبليدة الّتي تُلقي بقسوتها وفظاعتها على تفاصيل سلوكنا. الحبُّ هو الكائن المُتخفّي في قشعريرة المشاعر والقادرُ على خلخلةِ النّدب الّتي تصنعها العادة ومن ثمّ إزالتها قبل أن تتحوّل إلى شاماتٍ تُشوّه النّور فتقسو العتمةُ ويزيدُ البُؤس، وعندما يُصبحُ طعمُ الزّواجِ كالخبزِ نأكلهُ كلّ يومٍ، كحُكمٍ مؤبَّدٍ نطبِّقهُ، كالطّقوسِ العسكريّةِ نُؤدّيه، كعادةٍ أزليةٍ نُدمنهُ، حينئذٍ يكونُ الزواجُ خطيئةً قاتلة!
حين تتحوّل المرأة إلى كتابٍ مفتوحِ على مصراعيه إزاء غرور الرّجل؛ ليكتشف أنَّ أسطرهُ سهلة القراءة والفهم، فيحفظُ عن ظهرِ قلبٍ تفاصيلها؛ لتنعدم الدّهشة بعد ذلك، عندئذٍ تبدو مُغامرة الحبِّ مُحبِطة، فما أسوأ اللّحظةِ التي تتوقَّفُ فيها الشّمسُ عن زرعِ خلاياها تحت جلودنا، وما أصعب الحياة حين يُصيب أرضنا القحط العاطفيّ والعقم الّذي يُلغي التّفكير والتّعبير، فلا إثارةٌ ولا خصبٌ جديد.
حين تتحولُ المرأة إلى جدارٍ، أو صورةٍ منزليّةٍ، أو تتحولُ إلى آلةِ نسخٍ تُكرِّرُ نفسها؛ حينئذٍ تُصبحُ عصافير الحبِّ عطشى. فما أجملَ رعشة العناقِ وغيبوبة الحواس في الشّفاهِ عند اللّقاء، وما أتعسَها من رعشةٍ وما أوجعَها حين تنقلب كلَّ حواسكَ ضدَّك. مأساةٌ حين يولدُ الحبُّ كبيرًا ليموتَ بعدئذٍ.
هل الزّواجُ جرثومةٌ، تنتشرُ في أوردةِ الحبِّ فتفسدهُ؟ هل هو سرطانٌ سيأتي علينا وقتٌ نستأصلهُ حين يتوغّل في القلبِ فينزعُ عنهُ شَغفهُ، وفي العقلِ فيُميت الرَّغبة؟
على المرأةِ أن تُتقنَ فنَّ الإبداعِ والابتكار في العلاقةِ بينها وبين الرّجل. عليها أن تسعى –دائمًا- إلى أن تُثير فضوله بأخذهِ إلى مناطقِ ذكائها وقوَّة شخصيّتها، عليها أن تتعلَّم فنَّ زرعِ الأسئلةِ، فنَّ إثارة فضول شريكها، أن تتعلَّم أساليب المفاجأة والطّرائق الّتي تكسرُ بها الملل والعَادة، أنْ تكونَ أنثى! بكلِّ ما تحملهُ هذه الكلمة من غوايةٍ وفتنة؛ كي تنزعَ ألفة الحبِّ من نفسيهما، فما أسوأ أن يكونَ الشّخص الوحيد الّذي يحفظكَ هو ألصقهم بك؛ ما يأخذنا إلى مُستقبلٍ غير معقولٍ لهذا الكيان الاجتماعي، فنحنُ لا نرغب ولن نسمح أن ننقلَ أسهمَ هذه الشّركة إلى سلّةِ المهملات، فبعضُ الكياسة الاحترافيّة من شأنها أن تجعلَ الأمرَ أقلّ حرجًا، وأكثر اتّساعًا وملامسةً لمنابرِ الحريَّة.
لماذا المرأة؟
لأنَّها الّتي لديها الفرصة الأكبر لصنعِ التردِّد الأعلى، لديها الفرصة الأعظم لصنعِ النّجاةِ وإعادةِ استقرار الحياة على وجهٍ أفضل، هي القادرةُ على منحِ شركةِ الزّواج هديَّةً تُغيِّر النّظرة إلى الحبِّ بوجهٍ يتناسب مع التطوّر الحاصل في العلاقة. ينتظرُ الزّواجُ منها تأدية هذه المهمَّة الجليلة. إضافةً إلى أنَّ المرأة هي الّتي ترمي بمفاتيح قصرها برضاها ليستعمرهُ الرجل، فالحبُّ هو العلاقةُ الوحيدةُ الّتي نُمهِّد فيها سُبلَ احتلالنا!
# الزواج الخطيئة القاتلة By محمود قحطان،

