طرائق قراءة القرآن
تُعَدّ طرائق قراءة القرآن من الموضوعات الّتي تشغلُ بالَ كثيرٍ منَ المُسلمين؛ إذ يجد بعضهم نفسه في حيرةٍ من أمره، متسائلًا: هل يجبُ أن أقرأ القرآن ببطءٍ وتأنٍّ وتدبّرٍ في كلّ مّرةٍ؟ هل أشعر بالذّنب إذا قرأتُ بسرعةٍ للمراجعةِ أو إنجازِ وِرْدي اليوميّ؟ هذا الشّعور بالتّقصير قد يمنعُ البعض -أحيانًا- منَ الإقبالِ على كتابِ الله، ظنًّا منهم أنّ طريقةً واحدةً «صحيحةً» لا يجوز الحيادُ عنها.
لكن ماذا لو عُدنا إلى زمنِ النّبوّةِ والجيلِ الأوّلِ من الصَحابةِ الكِرام؟ إنّ تتبّعنا لمُمارساتهم يفتحُ لنا آفاقًا واسعةً ويُظهر لنا صورةً أكثر مرونة وسعة في كيفيّة التّعاملِ مع القرآنِ الكريم ووجود طرائق قراءة القرآن المختلفة. يأخذك هذا المقالُ في رحلةٍ لتكتشفَ أنّ علاقتك بالقرآنِ يُمكنُ أن تكونَ غنيّةً ومتعدّدةَ الأوجهِ، تتناسبُ مع حالتك، ووقتك، وهدفك.
حكمة عمر بن الخطاب: درس عملي في مرونة القراءة
من أروع النّماذج الّتي تُظهر هذه المرونة ما حدث في عهد الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب -رضي الله عنه. عندما أراد تنظيم القراءة في صلاةِ التّراويحِ، لم يفرض سرعةً واحدةً على الجميعِ، بل أخذ في اعتباره الفروقات الطّبيعيّة بينَ القرّاء.
كما ورد في الأثر، دعا أمير المؤمنين بثلاثةٍ من القرّاء، واستمع إلى تلاوتهم ليُقيّم سرعتهم، ثمّ بنى قراره على هذا التّقييم:
- فأمر أسرعهم قراءة أن يقرأ بالنّاس ثلاثينَ آيةً في كلِّ ركعةٍ.
- وأمر أوسطهم في السّرعة أن يقرأ خمسًا وعشرين آيةً.
- في حين أمر أبطأهم أن يقرأ عشرين آيةً فقط.
هذه الحادثةُ العظيمةُ تحملُ دلالةً عميقةً؛ فالعبادة واحدة (صلاة التّراويح)، والقرآن واحد؛ ولكن طريقة الأداء والكمّ المقروء اختلفا بناءً على قُدرة القارئ. لم يقلْ عمر للأبطأ «يجبُ أن تسرعَ»، ولم يقلْ للأسرع «يجبُ أن تُبطئ»، بل اعترف بقدرات كلّ منهم ووضع لكلٍّ منهم ما يُناسبه. هذا هو جوهر الفَهم العمليّ الّذي يُوازن بين المثاليّةِ والواقعيّةِ، ويُعلّمنا أنّ في الدّينِ سعةً.
طرائق قراءة القرآن بين التّدبّر والمُراجعة
قد يظنّ البعض أنّ القراءةَ السّريعةَ للقرآنِ أمرٌ مستحدثٌ أو غير مرغوب فيه؛ ولكن الحقيقة أنّ هذا التّنوّع كان موجودًا في زمنِ الصّحابةِ والتّابعين. نعم، كان هناك من يَرى أنّ الأفضليّةَ للتّلاوةِ المتأنيّةِ؛ ولكن هذا لم يمنع وجود ممارسات أخرى لها مقاصد مختلفة.
يُروى أنّ عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وهو من أئمّة القراءة، رأى أناسًا يقرؤون القرآن بسرعةٍ كبيرةٍ فقال لهم:
«لا تَنْثُرُوهُ نَثْرَ الدَّقْلِ وَلا تَهُذُّوهُ هَذَّ الشِّعْرِ، قِفُوا عِنْدَ عَجَائِبِهِ، وَحَرِّكُوا بِهِ الْقُلُوبَ، وَلا يَكُنْ هَمُّ أَحَدِكُمْ آخِرَ السُّورَةِ».
المقصود بـ(الدَّقْل): التّمر الرّديء اليابس.
وفي موقفٍ مشابهٍ، استمعت السَّيدة عائشة -رضي الله عنها- إلى قراءةٍ سريعةٍ من بعض التّابعين فقالت:
«ما كانَ رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم- يسردُ سردَكم هذا».
هنا يجب أن نفهم سياقَ هذه الملاحظات. كان ابن مسعود وعائشة يتحدّثان من منطلق الأفضليّة، وأنّ قمّة التلاوة وأكملها هي الّتي تكون بتأنٍّ وتدبّرٍ. لكن في المُقابل، كان أولئك القرّاء السّريعون ينظرونَ من زاويةٍ أخرى، فكان هدفهم هو الاستذكار والمُراجعة وتثبيت الحفظ، أو الإكثار من الختمات طلبًا للأجر.
إذًا، لم يكن الخلاف في الجواز والتّحريم، بل فيّ أيّ الطّرائق أفضل لتحقيق مقصدٍ معيّن. هذا الاختلاف في وجهات النّظر بحدّ ذاته هو أكبر دليلٍ على وجود طرائق قراءة قرآنيّة مُتعدّدة ومعروفة لديهم.
طرائق قراءة القرآن، لكلّ قراءة هدف: الجودة أم الكميّة؟
يتّضحُ ممّا ذُكرَ آنفًا، أنّ تحديد الهدف من القراءةِ هو مفتاح راحتك النّفسيّة وصحّة عبادتك. يُمكننا تلخيص المقاصد الرّئيسة الخاصّة بـ طرائق قراءة القرآن في ثلاثة أنواع:
- قراءة التّدبّر والفَهم: وهي القراءة البطيئة المتأنّية الّتي يقفُ فيها القارئ عندَ الآيات، ويتأمّل في معانيها، ويُحاول استخلاص العبر والدّروس. هذه القراءة هي الأعلى قدرًا والأجلّ شأنًا، وهي المقصودة بآيات الحثّ على التّدبّرِ مثل قوله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ﴾.
- قراءة المُراجعة وتثبيت الحفظ: وهي قراءة أسرع، يُركّز فيها الحافظ على استرجاعِ محفوظاتهِ والتّحقّق من عدم وجودِ أخطاءٍ. السّرعةٌ هنا ضروريّةٌ لإنجازِ المُراجعةِ الدّوريّةِ، وهي مُمارسةٌ لا غنى عنها لكلِّ من يحفظُ كتاب الله.
- قراءة الإكثار من الحسَنات (الوِرد اليوميّ): وهذه قراءة سريعة نسبيًّا (تُعرف بـ الحَدَر في علم التّجويد)، هدفها الأساسي هو ختم أكبر عدد مُمكن من الآياتِ والسّورِ. تستندُ هذه الطّريقة إلى حديثِ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم-: «من قرأ حرفًا من كتابِ اللهِ فله به حسنةٌ، والحسنةُ بعشرِ أمثالِها»، وقد ذهب كثيرٌ منَ العلماءِ، ومنهم فقهاء الشّافعيّة، إلى أنّ كثرة القراءة أكثر أجرًا من حيث العدد؛ لأنّ الأجر مرتبطٌ بعددِ الحروفِ المقروءة.
الخاتمة: قراءتك رحلتك الخاصّة
في نهاية مطاف طرائق قراءة القرآن، الدّين الإسلاميّ دين يُسر، وعلاقتك بالقرآن يجبُ أن تكون مصدرَ طمأنينةٍ لا قلق. لا توجد طريقة واحدة «صحيحة» تُلغي كل ما عداها. التّرتيل والتّدبّر لهما وقتهما ومقامهما السّاميّ، والقراءة السّريعة للمُراجعة أو لطلب كثرة الأجر لها أيضًا مكانتها ومشروعيّتها.
لتعدّد طرائق قراءة القرآن لا تشعر بالذّنب إذا قرأت وردك اليوميّ بسرعةٍ لتنجزه قبل انشغالك، ثمّ خصّص وقتًا آخر في الأسبوع، ولو نصف ساعة، للقراءةِ المتأنّية بهدفِ التّدبّر. نوّع في طرائق قراءتك كما تنوّعت أحوالك وأهدافك. اجعل لك ختمةً للتّدبّر، وختمةً للمُراجعة، وختمات للكثرة. بهذه المرونة، ستجدُ أنّ علاقتك بكتاب الله أصبحت أكثر حيويّة وواقعيّة واستمراريّة، وهذا هو المقصد الأسمى.
# طرائق قراءة القرآن By محمود قحطان،

