الأخطاء والعيوب في الشعر العربي
الأخطاء والعيوب في الشعر العربي
الأخطاء والعيوب في الشعر العربي ظاهرةٌ لازَمت الشعر العربي منذُ أن وٌجد، وما وُجِدَ شاعرٌ سَلِمَ شِعره من بعضِ الأخطاء والعيوب. ليس غَرضي أن أحصرَ ما أخذهُ النّقادُ على قُدامى الشُّعراءِ والمُحدّثين من أخطاءٍ وعيوب، إنّما أنْ نُلاحظَ أنّ عنايةَ النّقادِ بأخطاء الشعراءِ وعيوبِهم قبل أبي تمّام والبُحتري، كانت لا تتعدّى الإشارةُ الى بيتٍ أخطأ فيه الشَّاعرُ باستعمالِ لفظةٍ تُؤدّي معنى غير الّذي أراد، أو إلى بيتٍ لَحَنَ فيه الشَّاعرُ، فَرفعَ ما حقّهُ النّصب أو سَكَّنَ ما حقّهُ التّحريك، أو إلى بيتٍ أقوى فيه الشّاعرُ، أو لَزِمَ البيت عيبٌ آخر من عيوبِ الوَزن.
أخطاءُ الشُّعراءِ وعيوبِهم في مَعانيهم وألفاظهم قبل أبي تمّام والبُحتري، لم تستحوذ على اهتمام النُّقادِ فتدفعهم للتّأليف فيها، بينما نجدُ أنّ الأمرَ يختلفُ بمجيء الشّاعِرَين؛ فكلاهما اتّبعَ مذهبًا في الشعرِ يختلفُ عن مذهب الآخر، فالبُحتري سارَ على عمودِ الشِّعرِ وكانَ كغَيرهِ من الشُّعراءِ فتناول النُّقادُ أخطاءَهُ وعيوبَهُ كما تناولوا أخطاءَ وعيوبَ من سبق. وأبو تمّام عَدَلَ عن عمودِ الشِّعرِ وغلبَ البديعُ على شعرهِ، ونشرَ الغموضَ في معانيهِ، فاختلفَ بذلكَ عن غيرهِ من الشعراء فكثُرَ تَبَعًا لذلكَ حديثُ النُّقادِ في أخَطائهِ وعيوبهِ.
كتابُ ابن عمّار في أخطاء أبي تمَّام مفقودٌ، ومَا وصلَ إلينا منهُ إلَّا القليلُ في كتابِ المُوَازَنة، وما بين أيدينا منها لا يجلو طريقة ابن عمّار في نقدهِ أبا تمّام لكن يُساعدُنا على تلمُّسِ الصّفةِ العامّةِ في نقدهِ، وهي الإيماء إلى العيبِ، والإيجازُ في الحكمِ، وقد نقل الآمِدي عن ابن عمار قوله: أنكرَ أبو العبّاس أحمد بن عُبيد الله على أبي تمّام قوله:
هاديهِ جذعٌ منُ الأراكِ وما خَلْفَ الصَّلا مِنْهُ صَخْرَة ٌ جَلْسُ
وقال:
“هذا من بعيد خطأه أنّهُ شَبَّهَ عُنق الفرسِ بالجذع، ثمّ قال: “جذعٌ من الاراكِ”، ومتى رأى عيدان الاراك تكون جذوعًا، أو تُشبّه بها أعناق الخيل”.
نقل الآمدي تخطئة ابن عمار لأبي تمّام فقال: وأنكرَ أبو العبّاس قول أبي تمّام:
رَقيقِ حَواشي الحِلمِ لَو أَنَّ حِلمَهُ بِكَفَّيكَ ما مارَيتَ في أَنَّهُ بُردُ
وقال:
“هذا هو الّذي أضحكَ النَّاسَ منذُ سمعوه وإلى هذا الوقت”.
هذا يُبيّنُ أنّ ابن عمار كان يقتصدُ في ذكرِ الخطأ، ويُشيرُ إليهِ بعبارةٍ مُوجزةٍ كما هو الحالُ في البيتِ الأول، وأنّهُ لا يملك إلّا أن يُشاركَ النّاسَ ضَحِكَهم من أبي تمّام إذا أخطأ خطأً فاحشًا، وكأنَّهُ يَعجَبُ من وقوع أبي تمَّام في مثل هذا الخطأ كما رأينا في البيتِ الثّاني.
لم تكُن هذه كلّ الموضوعاتِ الّتي نقلَ فيها الآمدي عن ابن عمّار، فقد ذكره في موضوعاتٍ أُخرى من كتابهِ المُوازَنة، وتجاوزَ ذلك إلى تأليف جُزءٍ مُفرَدٍ من كتابه جعله للرّد على ابن عمّار فيما خطأ فيه أبا تمام. وهذا يدلُّ على أنَّ ما وافقَ فيه الآمدي ابن عمّار لا يعدو أن يكون أبياتٍ قليلةٍ، وعلى كلِّ حالٍ، يُعَدُّ ابن عمّار هو النّاقدُ الوحيدُ الَّذي ألّفَ كتابًا في الأخطاء والعيوب.
# الأخطاء والعيوب في الشعر العربي By محمود قحطان،
ربنا يوفقك لقد استفدت كثيرا من موقعك هذا
شكرتُ لكِ استفادتكِ.