مقالات في العمارة والأدب والحياة

مسلسل البناء

تمثيل المالك وتأليفه وإخراجه

مسلسل البناء: تمثيل المالك وتأليفه وإخراجه

مشكلة المالك في مسلسل البناء هي: أنّهُ يرى النّتيجة النّهائيّة من التّصميم المعماري لمنزله، يستسهلُ الأمر، ويقول لنفسه: ‹‹ماذا فعلَ المُهندس؟! غرفتان بينهما حمّامٌ، مطبخٌ هنا، وصالةٌ هناك … إلخ، الموضوعُ يسيرٌ، سأصمّمُ بيتي المُقبل بنفسي››. وهكذا، تبدأُ أفكارُ التّصميمِ الجديدِ تنمو في رأسهِ وتتشكّل، يستشيرُ هذا ويأخذُ بنصيحةِ ذاك للحصولِ على مزيدٍ من الأفكارِ، ولأنّه لا يرسم؛ لم يُفكّرْ أنْ يُجرّبَ تخطيطَ منزلهِ الخياليِّ على ورقةٍ ليكتشفَ مدَى صُعوبةِ توافقِ تلك الأفكارِ مع الواقعِ أو مدى انسجامها.

اقرأ: عشرة أسباب للاستعانة بالمهندس المعماري

تظلُّ الأفكارُ تُراوده؛ في أثناء نومهِ، ووقتِ الغداءِ، وفي عملهِ، وبين أصدقائهِ، إلى أن ينتهي من تصوّر المبنى كاملًا -كما يظنُّ- ليبدأ في تنفيذهِ، وبعد أنْ يكتملَ البناءُ؛ يَرفُضُ أن يجلسَ يومًا كاملًا فيهِ، وعندما تسألهُ عن السّبب، يُجيبُ: ‹‹لا أعرف! ثمّة شيءٌ غير مضبوطٍ في هذا المبنى؛ ولكنّني لا أستطيع تحديده!››.

مُسلسلُ البِنَاءِ

نعم.

مقالات ذات صلة

هذا المالكُ لو حَسَبَ ما لديهِ من مالٍ، ووفّرَ ما يحتاجُ إليهِ التّصميمِ والبناءِ، وأعطى المُهندسَ المعماريّ ما يلزمهُ من أجل أن يُصمّمَ منزلًا مُناسبًا بفراغاتهِ وأثاثهِ حتّى وإنْ أعطاهُ أكثرَ من حقّهِ لكان أسلمَ لهُ؛ لأنّ المهندسَ المِعماريّ سيوفّر له مبالغ جيّدة من نفقاتِ البناءِ، وسيُعطيه مبنىً يُمكنهُ العيشَ فيه إلى الأبدِ بسعَادةٍ ومن دونِ أنْ يشعرَ أنّ في المبنى شيئًا غريبًا ينفرّه عنه.

في مسلسل البناء لا يهتمّ المالك بالمُصمّم، وربّما لا يعترفُ بقيمتهِ أيضًا، يبحثُ عن أرخصِ الأسعارِ فحسب، من دون أن يعلمَ شيئًا عن مُثلّث المَشروع أو مُثلث الإنتاجيّة.

يدورُ في مواقعِ الشّبكة العنكبوتيّة (الإنترنت)، ويتجوّلُ في المدينةِ لينسخَ نافذةً أعجبتهُ، أو عمودًا مُميّزًا، أو تفصيلةً جميلةً، أو سُورًا رائعًا، وما إلى ذلك من سلسلةِ القصِّ والّلصقِ الّتي يُجيدها الهُواة، والمُثير أنّهُ معَ النّسخِ والّلصقِ وتركيبِ هذه الواجهةِ إلى ذلك المبنى؛ إلّا أنّهُ يظلّ يُعدّلُ ويُغيّرُ في أثناءَ التّنفيذ!

بالتّأكيد يُساعده المُقاول الّذي يُشبه الطّبيب الجرّاح في مُعالجةِ عيوبِ المبنى وتجميلهِ، وبعد الانتهاءِ من المبنى (عظم)، تتّضحُ الكارثة، يكتشفُ أنّهُ أصبحَ كالغريقِ، حِسابهُ مكشوفٌ لدى البنوكِ، والمبنى يحتاجُ إلى كثيرٍ من المالِ الإضافيّ لإنهاءِ التّشطيباتِ، فيلجأ إلى أبخسها وأسوئها؛ ومن ثَمّ لن يُمكنهُ شراء أثاثٍ جديدٍ فيستعين بأثاثِ منزلهِ القديم، وينقلهُ إلى المبنى الجديدِ مع (صراصيرهِ) و(فئرانهِ) الّتي وَجدتْ مأوىً جديدًا لها!

وهكذا، يُختتمُ مسلسل البناء وينتهي الدّورُ، وتُطفئُ الأضواءُ، وتُغلقُ الكاميراتُ؛ لإعلانِ نهايةِ هذا المسلسلُ الشّائق الّذي يتكرّرُ معَ كلّ مالكِ أرضٍ يُريدُ أنْ يتذاكى، وأن يُوفّرَ المئاتِ فيخسر الآلاف، ويُريدُ أن يبني منزلًا يَقيهِ هو وزوجتَهُ وأولادَهُ عناءَ الإيجاراتِ، فيقعُ فريسةَ جهلهِ وتنطّعه بينَ الذّئابِ الّتي تتكاثرُ فوقَ الخِرافِ السّاذجة!

مسلسل البناء: تمثيل المالك وتأليفه وإخراجه By محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!