مقالات في العمارة والأدب والحياة

ما الذي يفعله المهندس المعماري؟

ما الذي يفعله المهندس المعماري؟

منذ بداية الزّمن، ابتكرَ الإنسانُ أشياءَ من لوحاتِ الكهوفِ إلى الرّماح. إنّهُ يصنعُ أشياءَ وظيفيّة وفعّالة وأشياءَ اصطناعيّة مُتقنة. الأشياءُ الّتي يحتاجُ إليها والأشياءُ الّتي يُحِبُّ النّظرَ نحوها. يُبدِعُ المهندس المعماري في كليهما. إنّهُ مُحترفٌ وماهرٌ يُتيحُ حلولًا فريدةً لمُشكلاتِ العميلِ الخاصّة. إنّهُ يُحوّلُ الأفكارَ إلى شيءٍ حقيقيّ؛ ومع ذلك فإنّهُ على عكسِ الكاتبِ أو الرّسامِ أو النّحاتِ أو المُصمّمِ الصّناعي أو المُخترع، هو يصنعُ أكثر من مُجرّد أشياء ذات فائدةٍ أو ذات منفعةٍ أو جمال، إنّهُ يصنعُ الأشياء الّتي نسكنُ فيها.

أطلقَ النّحاتُ الرّوماني كونستانتين برانكوشي على العِمَارةِ اسم «النّحتُ الصّالحُ للسّكن».

عشرة أسباب للاستعانة بالمهندس المعماري

لكن المباني هي أكثرُ من أعمالٍ فنيّةٍ. إنّها تُؤثّرُ في حياتنا لأنّنا نعيشُ فيها وحولها. إذًا، ما الّذي يجعلُ المبنى «عمارة»؟ يعتمدُ على من تسأل. يستخدمُ المُهندس المعماري المُصطلح بأصالةِ رأيٍ وتبَصُّر. أمّا المارّة ليس لديهم القُدرة -عادةً- على الحُكم الجيّد، خاصّةً حول الأسلوبِ والجودة؛ فلدى مُعظمهم المهندس المعماري هو شخصٌ يُصمّمُ المباني الجميلة والمباني القبيحةَ أيضًا.

في بعض الأحيان يفقدُ المهندس المعماري بوصلتهُ؛ ولكن في مُعظم الأحيان لا يضيعها ويُصبحُ عملهُ أيقونةً بينَ حينٍ وآخر.

سِحْرُ المعماري هو أنّهُ يفعلُ ما لا يُمكنُ أن يفعلهُ مُعظمُ النّاس بطريقةٍ أفضل. إنّه يُحوّلُ الشّيءَ غير الملموسِ والغامضِ إلى شيءٍ جسَدَي. إنّهُ يُحوّلُ الإلهامَ والأفكارَ إلى مبانٍ.

في عَرضٍ سحريٍّ، يَصِلُ السّاحرُ مع قُبّعةٍ سوداءَ بارزة. يخلعُها ويُظهِرُ للجمهورِ أنّها فارغةٌ. يُلوِّحُ بعصاهُ ويُخرجُ الأرنب! المهندس المعماري أيضًا، غالبًا ما يبدأُ عمله على بناءٍ مُستَوٍ أو مكانٍ شاغرٍ. أي أنّه في يومٍ من الأيّامِ كانت المُلكيّةُ خاليّةً وبعدئذٍ صارت تَعُجُّ بالموادِ الخامّ والبِناء، وبعد بضع شهورٍ يدورُ الزّوار والسّاكنون حول المبنى اللّامع الجديد. جزءٌ من غموض المعماري هو أنّ عمله الشّاقّ مخفيٌ.

المهندس المعماري والعميل

تبدأُ المشروعاتُ جميعها بالفكرةِ ذاتها. يجلسُ المهندس المعماري مع عميلٍ، ويسألهُ بعض الأسئلةِ ويستمع. المعلوماتُ الّتي يتلقّاها بمنزلة المعلّمات parameters وهي: (مجموعةٌ من الحقائقِ أو حدٍّ ثابتٍ يُحدّد كيف يُمكنُ أو يجبُ أن يحدثَ شيءٌ ما). هذه المعلّمات تُلهمُ إبداع المعماري.

يتحوّلُ الإلهامُ إلى أفكارٍ والأفكارُ إلى رسوماتٍ ونماذجِ بناء. هذا هو التّصميم. في النّهايةِ، يأخذُ التّصميمُ شكله. على مدارِ أشهرٍ، يعملُ العميلُ والمهندس معًا. يصفُ المهندس ويُوثّق المبنى استعدادًا للبناء.

إضافةً إلى ذلك يُساعدُ المهندسُ المالكَ على اختيارِ المُقاول أو مُتعهّد البناءِ والتّفاوض بشأنِ العطاءات. هو يُلاحظُ مدى تقدّم البناء، وفي النّهايةِ يكتملُ المشروع، أي: دوره.

في الختامِ، إذا طرحنا سؤال: ما الذي يفعله المهندس المعماري؟ وإذا أجبنا عن هذا السّؤال بنظرنا إلى ما يفعلهُ فسوف نُدركُ أنّ ما يفعلهُ أمرٌ سهل: (المهندس المعماري يفعلُ ما يفعلهُ الشّخص الّذي يُفكّرُ كما يُفكّرُ المهندس المعماري)؛ لذلك قد لا يكون هذا هو السّؤال الصّحيح، قد يكون السّؤال:
كيف يُفكّرُ المُهندسُ المعماريّ؟

ناقشني في التّعليقات!

# ما الذي يفعله المهندس المعماري؟ By محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!