رواية

كيف تكتب رواية: أنواع الشخصيات

كيف تكتب رواية: أنواع الشخصيات

article 8b1f36538b86c20a89123fce20270241 thumb - كيف تكتب رواية: أنواع الشخصيات
كيف تكتب رواية: أنواع الشخصيات

مصادرُ شخصيَّات روايتك، أربعة:
1- أنت نفسك.
2- أشخاص حقيقيون تعرفهم.
3- أشخاص حقيقيون لا تعرفهم.
4- خيالك.

1. الشَّخصيات المُستمدَّة من نفسك

كلُّ شخصيةٍ يتمُّ ابتكارها، فيها جانب من شخصيتك الخاصَّة. كيف؟ أنت عندما تبتكرُ شخصيةَ قاتلٍ، في الواقع، أنت لم تقتل أحدًا. ولكنَّك تستطيع أن تستمدَّ من ذكرياتك ما يُساعدك في استنباطِ غضبِ القاتل، وذلك من خلالِ أقصى لحظاتِ الغضبِ التي مررت بها.

أنت بالتَّأكيد عرفت معنى الظُّلم في حياتك، لذا؛ من تلك الذِّكريات يُمكنك أن تُعبِّر عن مشاعر الظُّلم التي تشعرُ بها شخصيتك… وهكذا.
النَّتيجة، أنَّ إنفعالات الشَّخصية مُستمدَّة من انفعالاتك التي نستطيع أن نرتكز عليها لتخيُّل ما تشعر به الشَّخصية في الرِّواية.

في بعض الأحيان، يُمكنك أن تؤلِّف شخصية تُشابه إلى حدٍّ كبير شخصيتك. أي أن ترتكز على أحداث حقيقية واقعية مررت بها، أي الاعتماد على حياتك الشَّخصية لتحوِّلها إلى دراما. وهذا يُعطينا رواية أكثر مصداقية. لأنَّك أنت من كان حاضرًا في مسرحِ الأحداث، ولأنَّك أحسست بكلِّ المشاعر التي ولَّدها الحدث. وهذا ميزة هذه الطَّريقة.
المشكلة في هذا النَّوع من الرِّوايات؛ أنَّ لا أحدَ يستطيع أن ينظر إلى نفسهِ بشكلٍ موضوعي. وهذا بسبب صعوبة تصوَّر الحالة الذِّهنية الثَّالثة. راجع التَّدوينة السَّابقة.
ولحل هذه المشكلة، عليك أن تستخدم الأحداث الحقيقية التي مررت بها، وجعلها تحدث مع شخصية ليست أنت. إطبع شخصيتك على شخصٍ آخر. كيف؟

2. الشَّخصيات المُستمدَّة من أشخاص حقيقيون تعرفهم
ارتكز على أشخاص حقيقين، ولكن جُزئيًا. فلا تأخذهم كما هم، فهذا كفيل بإضعاف الخيال والموضوعية. فكِّر في تعديل النَّماذج الحقيقية للشَّخصيَّات عوضًا عن استعمالها كما هي. مثلًا، بدلًا من إستخدام شخصية صديقك أحمد بالكامل كما هي. فكِّر في أن تمزج عدَّة شخصيات حقيقية مع أحمد. خذ منه صفاته البارزة، وامزجها مع صفات آخرين لتحصل في النِّهايةِ على شخصيةٍ مُركَّبة وغنية ومرنة. وفي هذا فائدة، فلا أحد من أصدقائك أو معارفك الحقيقين يُمكنه أن يكتشف نفسه من خلالِ روايتك، فتتجنب الإحراج والمُساءلة القانونية.

3. الشَّخصيات المُستمدة من أشخاص حقيقيون لا تعرفهم
أي أن تستمد شخصيَّاتك من أشخاص غرباء سمعت عنهم. ويُمكن أن يحدث ذلك عن طريق صورة أو خبر قرأته في جريدة، أو صديق أخبرك عن تصرفات زوجته المُطلَّقة التي لم تلتقيها مُطلقًا،… وهكذا. يُمكنك أن تكوِّن الصُّورة الكاملة عن الشَّخصية من مُجرَّد فكرة.
إذًا استوحي شخصياتك من الواقع، كما قالت برونتي.

4. الشَّخصيات المُستمدَّة من الخيال
يُشبه إلى حدٍّ كبير الشَّخصيات المُستمدَّة من غرباء. أي تكفيك لمحة عن حياة شخص غريب وهذه اللمحة مثل الشَّرارة التي تشتغل في خيال وعقل الكاتب الذي يحوِّلها إلى شخص كامل.
مثلًا خطرت في بالك صورة ذهنية عن كائن فضائي يُشبه في سلوكه سلوك الإنسان، من هنا يُمكنك الإنطلاق من هذهِ الصُّورة الذِّهنية في تغذية الشَّخصية حتَّى تحصل على روايتك.

***

النَّجمُ والشَّخصية البارزة

هل الرِّواية ذات شخصية واحدة؟ بالتَّأكيد لا. فالأثاث مثلًا يدخل من ضمن مشهد كتابة الرِّواية. دائمًا هناك بطل أو نجم تدور حوله القصَّة، وهناك شخصيات بارزة أخرى ضرورية في القصَّة.
كيف تختار مَنْ مِنْ شخصياتك هو النَّجم ومن يكون الشَّخصية البارزة؟ تحتاج إلى دراسة وتحليل كل شخصية على حدة، النَّجم أو البطل بالتَّأكيد ستنتج عنه قصَّة، كذلك الشَّخصية البارزة يُمكن أن تُنتج قصَّة مختلفة، وبذلك تتحوَّل الشَّخصية البارزة إلى بطلٍ في روايةٍ أخرى. إذًا الهدف الرَّئيسي، هو معرفة الشَّخصية التي ستكتبُ عنها.

مُتغيِّرة أم ثابتة؟
من الأشياء المُهمَّة أيضًا في الشَّخصية، تحديد إن كانت ستبقى شخصية ثابتة أم مُتغيَّرة.
– المُتغيِّرة تبدأ في الرِّوابة بشكلٍ وتنتهي بشكلٍ آخر تمامًا. مثلًا كشخصية (ماريا) في رواية (إحدى عشرة دقيقة)، بدأت فتاة بسيطة، وطموحة، تبحث عن حُلمها لتنتهي إلى عاهرة مُحترفة. وهذا التَّغير يُدعى في عالم القصص (القوس العاطفي). وهو عبارة عن سلسلة منطقية من التَّغييرات النَّاتجة عن أحداثِ القصَّة.
– الشَّخصية الثَّابتة ستبقى على نفسِ النَّهجِ حتَّى انتهاءِ الرِّواية، وعادةً هذه الأنواع من الشَّخصيات تكون في القصص المُتسلسلة. كالأفلام التي تتكوَّن من عدَّة أجزاء.
– هناك نوع ثالث من الشَّخصيات الثَّابتة. وهو النَّوع الذي يقصده الكاتب الذي يُريد أن يُبيِّن ضعف بصيرة هذه الشَّخصية وعدم قُدرتها على تغيير حياتها. مهما حاولت تظل سجينة الواقع، وسجينة عنادها، وأفكارها التي تربَّت عليها، فتغدوا شخصية غير واقعية ومثالية.

مَن أفضل مِن مَن؟ الشَّخصية المُتغيّرة أم الشَّخصية الثَّابتة؟ ليس هناك شخصية أفضل من الأُخرى، فالأمر يعتمد على القصَّة التي تود كتابتها، فلكلِّ قصَّةٍ ما يُناسبُها من شخصيات.

التَّفكيرُ في الشَّخصية النَّجم
هناك مئات الطُّرق لسردِ قصَّة، كلَّما قضيتَ وقتًا أطول في التَّفكير في قصَّتك، كلَّما توصَّلت إلى مزيدٍ من الاحتمالاتِ التي تُساعدك في اختيار التَّركيبة المُناسبة للرِّواية.
دائمًا، اسأل نفسك أربعة أسئلة أوليَّة حول أيِّ شَّخصية:
1. هل أنا مُهتَّم بالشَّخصية، وأفكِّر فيها دائمًا، وأتخيَّل حياتها، وحوارها؟ إن لم تكن كذلك، لن تُجيد الكتابة عنها.
2. هل الشَّخصية جديدة ومُثيرة للاهتمام بشكلٍ ما؟
3. هل يُمكنني استعمال الحالات الذِّهنية الثَّلاثية، مع هذه الشَّخصية؟
4. هل أريد لهذه الشَّخصية أن تكون ثابتة أم مُتغيّرة؟ فإن اخترت مُتغيَّرة، يجب أن تفهم جيِّدًا مسار القوس العاطفي الذي ترسمهُ لها. ويجب أن تتناسب الشَّخصية مع التَّغيير الذي تود أن تطرحهُ فيها. فمن غير المنطقي أن تتحدَّث عن شخصٍ يرفض فكرة أنَّ جميع الأنبياء من البشر، ثُمَّ تضعهُ في موقفٍ يتطلَّب تغيّرًا وتحولًا في شخصيته.

التَّفكيرُ في الشَّخصيات البارزة

نفترض أنَّ شخصيتك الرَّئيسية عن حياة شاب بسيط مُصاب بالشَّلل. فمن هي الشَّخصيات البارزة في هذه الدِّراما الإعلامية؟ إليك بعض الاحتمالات:
– الأمُّ التي تهرب من أعبائها الزَّوجية.
– الأب المُتقاعد، قليل الحيلة الذي ينظر إلى ولده بأسى. وما عاد له في هذه الدُّنيا سوى أن يطمئن على ولده قبل وفاته.
– الجارة الأرملة، صديقة أمّه التي تسكن في الدُّور السُفلي.
– إبنةُ الجارة الشَّابة، التي تُلهم تفكير وخيال هذا الشَّاب المُعاق، الذي يبحث عن طريقةٍ يُشبع فيها عطش القلبِ والجسد، فيعيش أحلامهُ الوردية معها، ولكن في عقلهِ فقط.

والمزيد من الاحتمالات. كل مُمثِّل من هذه الشَّخصيات البارزة يمكن أن يكون هو النَّجم، ليتحوَّل الباقون إلى شخصيات بارزة. فما هو نوع القصَّة التي تُريد كتابتها؟ دراما اجتماعية عن حياة النَّاس؟
إن أردتَ أن تُعبِّر عن مأساة. إذًا؛ يُمكن أن يكون الشَّاب المُعاق هو النَّجم. ستبحث في حياته ومشاكله واحتياجه الدَّائم لمُساعدة الآخرين.
وإن كانت عن المسؤولية، يُمكن أن تكون الأم المُهملة هي النَّجم. ستبحث عن أسباب عزوفها عن زوجها، وعن عدم اهتمامها بولدها المُعاق.
وإن كانت عن التَّضحية والألم الذي يعتصر القلب لرؤيةِ من نُحبِّ في أهلكِ حالاتهم، بالتَّأكيد سيكون الأب هو النَّجم، وهكذا…

إذًا؛ يُمكن لأي من الشَّخصيات البارزة أن يكون بداية قصَّة جيِّدة، لأنَّ كلًّا منهم يُمثلُ نجمًا بحدِّ ذاته. بالتَّالي اختر نجم روايتك استنادًا إلى الاعتبارات التَّالية:
– ما هي الحبكة التي تُشعل خيالك؟
–  أيِّ الشَّخصيات تجذبك أكثر من غيرها؟ أي الشَّخصيات تراها أكثر إشراقًا، أو إلهامًا من غيرها؟
– مُتغيِّر أم ثابت؟ إن كان مُتغيِّرًا، مَن مِن هؤلاء الأبطال يبدو أقدر على التَّغير؟
– من يُمكنهُ التَّقدّم عبر قوس عاطفي ترغب بتصويره؟

عندما تكوِّن قائمة بالشَّخصيات تتناسب مع المعايير السَّابقة، وكل منهم يُمثِّل دوره ويدعم القصَّة، عندها فقط، يُمكنك أن تبدأ الكتابة.

***

الحالةُ الذّهنية الثَّالثة

أثناء الكتابة، قد تُضيف شخصيَّات أُخرى وقد تحذف. في كلِّ الأحوال، قبل أن تبدأ، أنظر إلى شخصيَّاتك بعين القارئ الذي لا يعرف عنها شيئًا.
كيف يراها القارئ؟ ضع نفسك مكانه وأسأل نفسك:
– هل الشَّخصيَّات تشمل ما يكفي من الاختلاف والتَّنويع؟
– هل يُفكِّر كيف يُمكن لتلك الشَّخصيَّات أن تعرف بعضها من خلالِ الأحداثِ التي خُطِّطتْ لها؟
– هل الشَّخصيَّات عادية ومُملة وكئيبة ولا تستدعي إكمال الرِّواية؟
– هل من المعقول تواجد الشَّخصيَّات في الإطار المرسوم لها؟
– هل ظروف القصَّة وشخصيَّاتها منطقية؟

***

الخُلاصة:

مصادر الشَّخصية أربعة، أنتَ، معارفك، غرباء سمعتَ أو قرأت عنهم، خيالك.
بعد أن تكوِّن لائحة شخصيَّاتك المُحتملة، إنتقل إلى الخطوة التَّالية، وهي اختيار البطل أو النَّجم، لتصبح بقيَّة الشَّخصيات هي الشَّخصيَّات البارزة والشَّخصيات التي تحتل مساحة صغيرة من القصَّة.
بعد تحديد البطل، تحتاج إلى تحديد هل البطل شَّخصية ثابتة أم مُتغيّرة؟ ابدأ بالتَّفكير من وجهة نظر القارئ حول جميع الشَّخصيَّات الرَّئيسية والبارزة.
وهناك أداة مُفيدة، هي عمل سيرة ذاتية مُختصرة لكلِّ شخصية من شخصيَّات روايتك. هذه السِّيرة تشمل الإسم، العمر، الوضع العائلي، المظهر العام، المهنة،… إلخ. وعادةً يتم ملؤها قبل البدء بالكتابةِ لأنَّها تُساعد على التَّركيز على الشَّخصية.

سأضع في يومٍ آخر، نسخة من السِّيرة الموجزة للشَّخصيَّات الرَّئيسة.

وحتَّى ذلك الوقت، لا تنسَ التَّعليق.

# كيف تكتب رواية: أنواع الشخصيات By محمود قحطان،

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

‫12 تعليقات

  1. كلمات من ذهب وضعتنى على بداية خارطة الطريق لقد وجد ت بها طرف خيوط الشهره والنجوميه والتعبير الروائى الذى اطمح للوصول اليه
    جزاك الله خيرا
    وننتظر منك المزيد من النصائح و الابداعات والبحث واتمنى ان اتابع مؤلفاتك كامله

  2. بقالى سنوات طويلة بجهز لروايتى وبخمرها فى عقلى، يمكن من عام 2006. بدأت ألف بداية، وكتبت ألف مسودة وقررت أبدأ فعليا فى سطر الرواية اللى أصبح عمرها فى ذهنى قرب العشر سنوات. وكنت محتاج جدا لمثل هذه التوجيهات العلمية المفيدة.
    مش عارف يا باشمهندس محمود كيف أشكرك على عطرك الفواح اللى بتنشره هنا وهناك من فوائد و علم.

  3. موضوع مميز جدا عن كتابة الروابة، واختيار الشخصيات. لأنها هي من يحرك الأحداث، فلو ثم اختيار شخصيات الرواية بشكل صحيح، ستجد أن الرواية تسير أحداثها بسهولة، وردة فعل الشخصيات تكون متوافقة مع رؤيتك لهم ومع طبيعتهم، والعكس صحيح، لو لم يتم إختيار الشخصيات بشكل صحيح، ستجد ردة فعلهم تجاه الكثير من الأحداث غير منطقية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!