مقالات في العمارة والأدب والحياة

قواعد النحو: لماذا يكسرها الشاعر؟

لماذا يكسر الشاعر قواعد النحو

قواعد النحو هي: تعليماتٌ مُهمّة لكيفيّة قراءة ما تقولهُ الكلمات، فهي تحفظُ هيكل الكتابةِ، وتجعله متينًا وواضحًا؛ ما يُسهّل التّواصل معها بفعاليّة. قد تكون قواعد النحو مُخيفة، ومُعقّدة؛ ولكنّنا نحتاجُ إليها من أجل تحسين كتاباتنا وإظهار تألّقها.

يُشبهُ احترام الكاتب لقواعد اللغة العربية، احترام الماشي على الحبال Tightrope Walking الّذي قد يهزّ الحبلَ، أو يجلس ويستلقي عليه، أو يقف برجلٍ واحدةٍ مُتحدّيًا قوانين الجاذبيّة والقواعد الّتي تضمنُ لهُ عدم السّقوط.

متى يُمكن للشّاعر أن يسقُط؟

هناك معايير جودةٍ لكلّ شيءٍ في هذهِ الحياة، وعندما نتحدّثُ عن الشعر الرّفيع، فهو الشعر الّذي يأتي من الدّراسة، ومن الّذين لديهم القدرة على قراءةِ الكتبِ، أي: من يقروؤن.

أفضلُ رهانٍ لأيّ شاعر هو أن يتعلّم قدر المُستطاع: اللغة، والنحو والصرف، والإملاء، وعلامات الترقيم… صحيح أنّ الفنّ لا يأتي من التّعلّم؛ إنّما من القلب والرّوح والموهبة؛ ولكنّني سأهتمُّ بما تكتب إنْ عَزَفْتَ على وَرَقةِ الكتابةِ بطريقةٍ سليمةٍ، والتقطت قلمك من رُكن الهواةِ فصقلتهُ جيّدًا ثمّ كتبت باحترافيّةٍ ومقدرةٍ عالية؛ كي لا يأتي أحدهم ليصرُخ في وجهك: «من فضلك، النحو والإملاء سيّئان، أرجوك، أتوسّلُ إليك: توقّف عن كتابةِ الشعر القبيح!»

هل يمكن كتابة شعرٍ لا يتبع قواعد النّحو؟

كما تُدركون؛ نحنُ في عصرٍ لم يعدْ يأخذ اللغة على محمل الجدّ تمامًا، عصرٌ لا يخجلُ من إبراز شعراء لا يعرّفون كيف يتهجّون كلمة ما، أو كيف يكتبونها.

أنا لستُ مُهتمًّا بإقناعك بأهميّة قواعد اللغة العربية، فقد تختلف معي حول أهميّتها، وهذا شأنك، إنّما لا يُمكنني أن أحترمَ من ينتهكُ القواعد عن عمدٍ مُدّعيًّا -عن جهلٍ- أنّ هذا طبيعة العصر والشعر الحديث، ولا أقدّرُ من لا يُحاول أن يُصحّحَ نصوصه للحصول على أفضلِ تقدير. إذا أردتَ لكتابتك التّألّق، عليك تعلّم قواعد اللغة الصّحيحة.

أنا أقّدّرُ الأعمال التّجريبيّة، إنّما قواعد النحو أمرٌ بالغ الأهميّة للغةِ المكتوبة، وقواعد النحو، والإملاء، والترقيم هي أدواتٌ إبداعيّةٌ في يدِ الشاعر، قد يرفضها تمامًا وقد يستخدم بعضها لتحسين القصيدة وتجميلها. أتصوّرُ أنّه بالتدرّب على القواعد النحوية السّليمة، سيدركُ الشاعر أنّ كتاباته أكثر فاعليّة وأكثر تكاملًا مع ما يُريد تحقيقه باللّغة.

يسعَى الشعراء جميعهم لتنمية مقاييس إبداعهم لجعل أعمالهم خلّاقة، وبارزة، وجذّابة، وأكثر مثاليّة؛ وعدم اعتمادهم قواعد النحو في أثناء الكتابة يعني لا مُبالاتهم، وبالتّأكيد، يعني جهلهم أيضًا! فقرار التّخلّي عن قواعد النحو وأنا عارفٌ بها، يختلفُ اختلافًا تامًّا عن قرار التّخلي عنها وأنا في الأساس أجهلها. إضافةً إلى أنّ التّخلّي عن قواعد النحو يُظهر عيب القصيدة وضعف كاتبها.

هذا الأمر لا ينطبقُ على الشعر وحسب، بل يمتدُّ لينطبقَ على جميع أنواعِ الكتابةِ.

إذن، تعلّم القواعد، ثمّ امضِ قدمًا.

ما الّذي يمنعُ الشّاعر من تعلّم قواعد النّحو؟

الكسلُ، وانعدام الانضباط الذّاتي، وتواضُع الموهبةِ، والجهل، هي: ما يؤدّي إلى إهمالِ قواعد اللغة العربية. أمّا من درسَ النحو وأخطأ، ففي العادّة يعود السّبب إلى التّسرّعِ، والغفلةِ، الّتي لا يسلمُ منها الشعراء الكبار. على سبيل المثال، في هجاء الفرزدق:

ولَوْ كانَ عبْدُ اللهِ(1) مَوْلَى هَجَوْتُهُ 

ولَـِكنَّ عَبْـَد اللهِ مَوْلَى مَـَوالِيَا

القصّةُ: أنّ عبد الله ابن أبي إسحاق يُخطّئ العربَ كثيرًا، ومنهم الفرزدق حين قال:

وَعَضُّ زَمانٍ يا ابنَ مَرْوَانَ لم يَدَعْ

مِنَ المَالِ إلاّ مُسحَتاً أوْ مُجَرَّفُ

فقال ابن أبي إسحاق: «لمَ رفعتَ (مُجَرَّفُ)؟».
فقال الفرزدق: «على ما يسوؤك وينوؤك علينا أن نقول، وعليكم أن تتأوّلوا».
ولما ضاقَ الفرزدقُ بالتّخطئةِ هجا ابن أبي إسحاق.
فلمّا بلغ ابن أبي إسحاق هجاء الفرزدق، قال: «أخطأ مرّةً أُخرى، حيثُ قال: (مواليا)، والصّواب: (مُوالٍ)».

معَ أنّ هناك تخريجًا للفرزدق يسقُط بهِ اعتراض ابن أبي إسحاق؛ إلّا أنّ ما أرمي إليه في هذه القصّة هو أنّ لا أحد يسلم من أخطاء النحو.

(1) عبد الله ابن أبي إسحاق الحضرمي، أحد أئمة العربيّة حتّى قيلَ: «هو والنّحو سواء».

 الضّرورات الشّعريّة

شئنَا أم أبينَا، الشاعر هو أصلُ اللغة، وهو حافظها، والأقدرُ على حمايتها أكثر حتّى من مُتخصّصي اللغة أنفسهم ودارسيها.

قال ابن قتيبة في عيون الأخبار:

«الشِّعرُ ديوانُ العربِ، وخزانةُ حكمتها، ومستنبطُ آدابها، ومُستودعُ علومها».

وقال أبو هلال العسكري في الصِّناعتين:

«الشِّعرُ ديوانُ العربِ، بهِ حُفظتِ الأنْساب، وعُرفت المآثر، وتعلمت اللّغة».

وقد قيل: «يجوزُ للشّاعر ما لا يجوز لغيره»، وقيل: «الضّرورات تُبيحُ المحظورات»، بالاعتماد على ذلك عُدّ تعدِّيه على قواعد اللغة من بابِ الضرورات الشعرية، ومن يقرأ ضرائرُ الشّعر سيجد مئات المُخالفات؛ لذلك لا تعدّ الضرورات الشعرية لحنًا ولا كسرًا لقواعد اللغة، إنّما هي من عيوبِ الشعر الّذي يجبُ أن تسلمَ منهُ القصيدة، وسليقةُ القارئ العَربي الفَصيح وذوقه يُمكنه تمييز هذه العيوب فينفر منها لأنّها تُخالف الأصل (أصل القواعد)؛ ولأنّ الضرورة قد تتحوّل إلى ضررٍ إذا زادت عن حدِّها، أو وقعَت في الأيدي غير المُناسبةِ الّتي تُخطئُ بحجّةِ الضرورة؛ نصلُ إلى أنّهُ ليس من مصلحة الشعر والكتابة عمومًا عدم التّقيّد بقواعد النحو، فهذا الأمر على المدى الطّويل قد يشوّه طريق اللغة.

ما أفكارك حول تطبيق القواعد النّحويّة في كتابة الشّعر؟ هل أنت ممّن يُصرُّون على التّمسّك بقواعد اللّغة، أم أنّك من الّذين أو مع من يكسرون القواعد؟ شاركنا أفكارك في التّعليقات!

# لماذا يكسر الشاعر قواعد النحو؟ By محمود قحطان، 

 

 

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!