Site icon محمود قحطان

التنمية الحضرية منخفضة الكربون

التنمية الحضرية منخفضة الكربون

التنمية الحضرية منخفضة الكربون

التنمية الحضرية منخفضة الكربون

المقدّمة

في مُواجهة أزمة تغيّر المناخ العالميّة، الّتي تُعَدّ المدُن مُسهمًا رئيسًا فيها، برز مفهوم «التنمية الحضرية منخفضة الكربون» كضرورةٍ (استراتيجيّةٍ) لتحقيق الاستدامة البيئية. تستهلك المدُن ما يقرب من (70%) من الطّاقة العالميّة وتنتج حصّةً مماثلةً من انبعاثات الغازات الدّفيئة؛ ما يجعلها نقاطًا محوريّة لأيّ جهود فعّالة للحدّ من هذه الانبعاثات. ترمي التنمية الحضرية منخفضة الكربون إلى إعادة تشكيل النّظم العمرانيّة والأنشطة المرتبطة بها لتقليل البصمة الكربونيّة، مع الحفاظ على النّموّ الاقتصاديّ والاجتماعيّ وتعزيز جودة الحياة الحضريّة. لا يقتصر هذا النهج على الجانب التّقنيّ فحسب، بل يمتدّ ليشمل الأبعاد التّخطيطيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة؛ ما يتطلّب (استراتيجيّةً) متكاملةً ومتعدّدة التّخصّصات.

العمارة الخضراء: تُحافظ على سلامة البيئة وتحدّ من استهلاك الطّاقة

المفهوم والأهداف

تُعرف التنمية الحضرية منخفضة الكربون، بأنّها: تصميم المدن وتطويرها وإدارتها بطرائق تُقلّل من انبعاثات غازات الدّفيئة، خاصّةً ثاني أكسيد الكربون، الّتي تنتج عن استهلاك الطّاقة، وإدارة النّفايات، والنّقل، والصّناعة. الأهداف الأساسية لهذا النّهج، هي:

  1. الحدّ من الانبعاثات (Mitigation): تقليل مصادر الانبعاثات بوساطة تحسين كفاءة الطّاقة، والاعتماد على مصادر الطّاقة المُتجدّدة، وتغيير أنماط الاستهلاك والإنتاج.
  2. تعزيز المرونة (Resilience): بناء مدُن قادرة على التّكيّف مع الآثارِ الحتميّة لتغيّر المناخ (مثل: ارتفاع مستوى سطح البحر، والظّواهر الجويّة المتطرّفة).
  3. تحسين جودة الحياة: إيجاد بيئاتٍ حضريّة صحيّة، ومريحة، وجذّابة، مع توفير فرص اقتصاديّة ومساواة اجتماعيّة.

ركائز التنمية الحضرية منخفضة الكربون

تعتمد التنمية الحضرية منخفضة الكربون على عدّة ركائز أساسية تتكامل فيما بينها لتحقيق الأهداف المرجوّة:

1. كفاءة الطّاقة والمباني الخضراء (Energy Efficiency and Green Buildings):

كفاءة الطّاقة والمباني الخضراء (Energy Efficiency and Green Buildings)

تُعَدّ المباني أحد أكبر مستهلكي الطّاقة في المدُن. لذلك، يُعَدّ تحسين كفاءة الطّاقة في المباني القائمة وتصميم مبانٍ جديدة بمقاييس عالية من الاستدامة أمرًا جوهريًّا.

مثال: مدينة فيكتوريا، كندا، وضعت معايير صارمة للبناء الأخضر تتطلّب من جميع المباني الجديدة تحقيق مستويات عالية من كفاءة الطّاقة، مع التّركيز على تصميم المباني الصّفريّة الطّاقة على المدى الطّويل.

2. النّقل المستدام (Sustainable Transportation):

النّقل المستدام (Sustainable Transportation)

يُعَدّ قطاع النّقل ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الغازات الدّفيئة في المدُن بعد المباني. يَرمي النّقل المُستدام إلى تقليل الاعتماد على المركبات الخاصّة ذات الوقود الأحفوريّ.

مثال: كوبنهاغن، الدّنمارك، الّتي استثمرت في بنيةٍ تحتيّةٍ لركوب الدرّاجات وشبكة نقلٍ عام ممتازة؛ ما أدّى إلى انخفاضٍ كبيرٍ في استخدام السّيّارات الخاصّة وانبعاثات الكربون المرتبطة بالنّقل.

3. دمج الطّاقة المتجدّدة (Renewable Energy Integration):

دمج الطّاقة المتجدّدة (Renewable Energy Integration)

الانتقال من الوقود الأحفوري إلى مصادر الطّاقة النّظيفة هو حجر الزّاوية في التنمية منخفضة الكربون.

مثال: مدينة فرايبورغ، ألمانيا، تُعرف بـ «المدينة الخضراء» لتطبيقها الواسع للطّاقة الشّمسيّة؛ إذ تُغطّى العديد من المباني بالألواح الشّمسيّة وتُعَدّ مساهمة رئيسة في شبكة الطّاقة المحلّية.

4. الإدارة المُستدامة للموارد والنّفايات (Sustainable Resource and Waste Management):

الإدارة المُستدامة للموارد والنّفايات (Sustainable Resource and Waste Management)

تؤثّر إدارة الموارد والنّفايات تأثيرًا كبيرًا في البصمة الكربونيّة للمدُن.

مثال: مدينة سان فرانسيسكو، الولايات المتّحدة، الّتي حقّقت معدلات عالية جدًّا في تحويل النّفايات من مدافن القمامة بوساطةِ برامجها الشّاملة لإعادة التّدوير و الكومبوست Compost.

5. المساحات الخضراء والبنية التّحتية الزّرقاء-الخضراء (Green Spaces and Blue-Green Infrastructure):

المساحات الخضراء والبنية التّحتية الزّرقاء-الخضراء (Green Spaces and Blue-Green Infrastructure)

تُعَدُّ المساحات الخضراء والأجسام المائيّة جزءًا لا يتجزّأ من المدُن منخفضة الكربون.

مثال: سنغافورة، الّتي تتبنّى مفهوم مدينة في حديقة (City in a Garden)، وتدمج المساحات الخضراء بكثافةٍ في تصميمها العمراني؛ ما يُسهم في تبريد المدينة وتحسين جودة الهواء.

تحديات التنمية الحضرية منخفضة الكربون

معَ الفوائد الواضحة؛ تُواجه التنمية الحضرية منخفضة الكربون تحديّات متعدّدة:

الخلاصة

التنمية الحضرية منخفضة الكربون نموذجٌ شاملٌ للنّموّ الحضريّ المُستقبلي. بوساطةِ نهجٍ متكامل يجمع بين كفاءة الطّاقة في المباني، والنّقل المُستدام، ودمج الطّاقة المتجددة، والإدارة الفعّالة للموارد والنّفايات، وتعزيز البنية التحتية الخضراء؛ يُمكن للمدُن أن تُقلّل من بصمتها الكربونيّة. على الرّغم من التّحديات، فإنّ الفوائد البيئيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة لهذه التّنمية تجعلها ضرورةً حتميّةً لتحقيق مستقبلٍ مستدامٍ ومرنٍ لسكّان المدُن حول العالم.

#التنمية الحضرية منخفضة الكربون By محمود قحطان،

Exit mobile version