مقالات في العمارة والأدب والحياة

الشعر أسلوب حياة

الشعر أسلوب حياة

قبل أن أكبرَ، كانَ أبي يطرحُ سؤالًا لم أكُنْ أفهمهُ حينئذٍ، إلى أن صرتُ أكبر بكثيرٍ ولديّ أولاد، كان يسأل: «العالمُ مليءٌ بالشًّعراء الجيّدين، فلماذا يحتاجُ العالمُ إلى مزيدٍ منهم»؟!

فكِّر في الأمر، أنا أقولُ الشِّعر؛ ولكن استخدم مهنتك، لماذا يحتاجُ العالمُ إليك؟ حقيقةً إنّ هذا السُّؤال جعلني أدرك -بالفعل- أنّ الشِّعرَ -وكلّما تقدّمتُ في العُمرِ- أكثر من مُجرد لُغة، الشعر أسلوب حياة. إنّها نمطُ حياتي.

أرجو ألّا تفهموني خطأً، أنا لا أتحدّثُ عن أسلوبِ الحياةِ الّذي يقودهُ كثيرٌ من الشُّعراء؛ لأنّهُ يُمكننا إلقاء نظرةٍ إلى الماضي إلى الشُّعراءِ الكبار لنكتشفَ نجاحاتٍ هائلةٍ في مجالِ الشِّعر؛ ولكن الأمرُ ذاته ،بالمُقابلةِ مع إخفاقاتِ الشُّعراءِ الهائلة في الحياة. فكثيرٌ منهم لديهم حياةٌ مجنونةٌ، وقد تكونُ مُخزية!

أظنُّ أن والدَينا كانوا يُعدّوننا لشيءٍ لم نكنْ نعرفهُ في ذلك الوقتِ؛ وأظنُّ أنّ بإمكانهِ أن يرى المُستقبل: «ما الّذي يحتاجُ إليهِ العالمُ مع شاعرٍ جديدٍ آخر»؟

أدركُ الآن أنّ الشِّعرَ نمطُ حياتي، وأدركُ الآن بعد مُمارسة الكتابة الشِّعريّة لسنواتٍ طوال أنّ بإمكاني مُشاركة ما تعلّمتهُ مع النّاسِ، كمُعلّم. صحيح أنّ الشِّعرَ يصنعُ مجدك الشَّخصي ويمنحك شُهرةً لا بأسَ بها؛ ولكن مُشاركة ما تعرفهُ للتّحفيزِ وإشاعةِ الحماسةِ في الآخرين هو شيءٌ رائعٌ أيضًا.

لاحظتُ أنّ هناك كثيرًا ممّا يُمكن تعلّمهُ من الشِّعر وتطبيقه على حياتنا. كلّ شيءٍ أفعلهُ في حياتي أعيدهُ إلى الشِّعر، عندما أطبخُ أو أتحدّثُ إلى وَلدي، أو أُخطّط إلى المُستقبل… يُمكنني أن أربطهُ بالشِّعر، فالشِّعرُ هو نمطُ حياة.

لكي تُصبح شاعرًا جيِّدًا، عليك أن تكونَ مُستمعًا جيِّدًا. كلّ شيءٍ يرتبط بأذنك؛ فبوساطة السّمع نتلقّى العلوم والمعرفة ونفهم الحياةَ. أذكرُ أنّهُ زارنا شاعرٌ خِنذيذ في سنتنا الأولى في الجامعةِ ليُعطينا فكرةً عمّا قد تكون عليه السّنوات الخمس المُقبلة من حياتنا. دُهشتُ وقتئذٍ لأنّني سألتُ نفسي: ماذا يفعلُ شاعرٌ في كليّةِ عمَليّة؟! ماذا عساهُ أن يُخبرنا هذا الأديب؟ كان من المُمتع استخدامهُ الشِّعر لفعل ذلك؛ لأنّ الشِّعرَ طريقةٌ يُمكنك التّحدّث بها عن أيّ شيءٍ يُمكن أن يحملَ شيئًا من الحساسيّة، مثل: السّياسة، والعنصريّة، والمُساواة، وعدم المُساواة، والدّين… يُمكن الحديث عن ذلك بوساطة الشِّعر، وستظلُّ آمنًا!

اجعل من مهنتك أو ما تُمارسهُ أسلوب حياتك؛ وعندئذٍ ستُدرك قيمة ما تفعله ومدى أهميّتك في هذا العالم.

# الشعر أسلوب حياة By محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!