التصميم الجماعي وأثره في تطوير الفكر المعماري

يتطلّبُ فَهم عمليّة التصميم المعماري وتنوّعها عددًا من الأبحاثِ والدّراساتِ، ولمعرفة أثر التصميم الجماعي أو التّشاركي نحتاجُ إلى معرفة مناهج التصميم المعماري الثّلاثة أو التّوجّهات الرّئيسة الثّلاثة

مناهج التصميم المعماري

المنهج الحدسي Intuitive:

كان المعماريُ يعملُ بوجهٍ فرديٍّ، ولا يشرحُ كيف يُفكِّر، المُهمُّ أنَّهُ في النِّهايةِ سيُقدِّمُ مُنتجًا، أمّا طريقةُ تفكيرهِ ومُسوّغاتهُ مُبهمةٌ لمَن حوله؛ فهو الفنّان الّذي يُركّز على جوانب الجمال في العملِ المِعماري وتشكيلاته الحسيّة مُتجاوزًا الجوانب الاجتماعيّة والثّقافيّة والبيئيّة وأبعادها؛ ومن ثَمَّ سُمّي هذا النَّموذج “Black Box Approach” أو Intuitive Model.

المنهج العقلاني The Rational Model:

عندما يكونُ العملُ المعماريُّ ضمنَ مجموعةٍ لا يُمكنُ استخدام المنهج الحدسي؛ لأنَّ المعماريَّ هنا يحتاجُ إلى عرضِ فكرتهِ ومُناقشتها معَ الآخرين، وفيه يتبعُ المُصمّم قواعد التّصميم وأسسه ووسائله؛ عندئذٍ يتغيَّرُ النَّموذج من “black box approach” إلى “Glass Box Approach” أو The Rational Model؛ أي أنَّ لديَّ القُدرةُ على التَّعبيرِ عن أفكاري، ومُسوّغاتها، وكيف أو من أينَ جاءت… وهكذا.

المنهج الجماعي التّشاركي The Participatory Model:

النَّموذجُ أو المُستوى الأعلى فهو “Community Design” أو The Participatory Model، وفيه يتواصلُ المعماريُّ معَ المُجتمعِ أو جميعِ الأطراف ذات العَلاقة؛ أي كيفَ يُشاركُ المُصمِّمُ التَّصميمَ معَ المُستخدمِ ويُحوِّلُ أفكارَهُ اليَسيرة إلى تصميمٍ مُعيَّن؛ ولأنّ هذا المنهج يجمع الجوانب الفنيّة والتّقنيّة أو العلميّة في العمارة مع ربطهِ بأبعاد المُجتمع الثّقافيّة والاجتماعيّة فهو المنهج الأشمل والأنسب عادةً.

يوجد تدرّجات في هذه المناهج بحسب المُصمّم والتّجربة الّتي يُحبُّ عيشها.

المُهمُّ أن نفهمَ أنَّه ليسَ كلَّ المشروعاتِ تتطلّبُ النَّماذجَ الثَّلاثة، فبعضُ المشروعاتِ لا تنجح بنظامٍ مُعيَّنٍ وتنجحُ بنظامٍ آخر. يعتمدُ اختيار النَّموذج على مدى مُلاءَمةِ ما يَرمي إليهِ المُصَمِّمُ ويستهدفه.

يتطلّبُ المنهج الجماعي التّشاركي أو التصميم الجماعي مُشاركة جميع الأطراف أو أصحاب المصلحة في عملية التصميم، مثل (الموظّفين، والشّركاء، والعُملاء، والمواطنين، والمُستخدمين النّهائيّين) للمُساعدة في ضمان تلبية النّتيجة الخاصّة بهم. وهو يجمع بين الجوانب الفنيّة والتّقنيّة في العِمارة إضافةً إلى أبعاد المُجتمع الثّقافيّة.

التصميم الجماعي هو نهجٌ يُركّزُ على عمليّات التّصميم وإجراءاتهِ وليس على أسلوب التّصميم.

التصميم الجماعي هو التّوجّه الأحدث والأكثر اقترابًا من واقع التّوجّهات الإنسانيّة الحديثة، وهو المدخل لتطوير عمليّة التصميم المِعماري. ففيه تشارك للمعرفة، ومُشاركة في صياغة المُشكلة. يُمكنُ القولُ إنّه مُشاركة غير العُلماء في العمليّة العلميّة. يبني فيه المُشاركون المُشكلة ويصفونها ويُنشؤون فَهمًا مُشتركًا لكيفيّة العمل كطريقةٍ لإبداع بيئاتٍ أكثر استجابة ومُلاءمة للاحتياجات الثّقافيّة والعاطفيّة، والرّوحيّة، والعمليّة لسكّانها، ومُستخدمها.

تُشيرُ الأبحاث الحديثة إلى أنّ المُصمّمين يبتكرونَ مفاهيمَ ويُنتجونَ أفكارًا أكثر إبداعًا عند العمل في بيئة تصميمٍ مُشتركٍ (الجماعي) مع الآخرين أكثر ممّا يفعلونه عند إنشاء الأفكار بأنفسهم (الحدسي).

# التصميم الجماعي وأثره في تطوير الفكر المعماري By محمود قحطان،