علوم البلاغة: الفصاحة
الفصاحة
الفصاحة لغةً: البيان والظّهور والإبانة. يُقال: «أفصحَ الصُّبحُ» أي: ظهرَ ووضحَ.
الفصاحة اصطلاحًا: الألفاظُ البّيِّنة الظّاهرة، سهلة الفهم، وشائعة الاستعمال. تقعُ وصفًا للكلمة، والكلام، والمُتكلّم.
فصاحةُ الكلمة
شروط فصاحة الكلمة أربعة:
- سلامتها من تنافر الحروف: فلا تثقل الكلمات على اللّسان ولا يتعسّر النّطق بها. مثل: الهُعْخُع (نباتٌ ترعاهُ الإبل). المُسْتَشْزِر (المُرتفع). الخَنْثَلِيل (السّيف).
- سلامتها من الغرابة: فلا تكون الكلمة غريبة وغير مألوفة الاستعمال. مثل: تكَأكَأ (اجتمع). افْرَنْقَعَ (انصرفَ). النّشّاص (السّحاب). اطْلَخَمَّ (اشتدَّ). مُثْعَنْجِرَة (ملأى). الجِرْشى (النّفس).
- سلامتها من مُخالفة القياس الصّرفي: تعني مُخالفة قواعد الصّرف المأخوذة من العرب. مثل: جمع بوق على بوقات، والقياس (أبواق) جمع قلّة. ونحو: مَوْدَدَة، والقياس (مَوَدَّة) بالإدغام.
- الكراهة في السّمع: أي الكلمة الوحشيّة الّتي تأنفها الطّباع ويُكره سَمعه. مثل: الجِرِشَّى (النّفس).
أمثلة:
- أناس ضنّنوا بسُمعتهم، الصّواب: ضَنُّوا؛ لأنّ فكّ الإدغام من دون مُسوِّغٍ مرفوض.
- جمعُ فِكْرَةٍ على أفكار عند حديثك عن الشّخص الواحد، الصّواب: فِكَر؛ لأنّ أفكار جمع الجَمع.
- الإقتراحِ في قول ابن الرّومي: يا نَرْجِسَ الدُّنيا أقِمْ أبَدًا***للإقتراحِ ودائمِ النَّخْبِ. حيثُ قطعَ همزة الوصل.
- قطع همزة الوصل في قول جميل: ألا لا أرى إثنين أحسنَ
- ثَوْرِوي (نِسْبَة إلى الثّورة)، الصّواب: ثَوْرِي.
- مُهْضِم، الصّواب: هاضم؛ لأنّ اسم الفاعل من الفعل الثُّلاثي يكون على وزن فَاعل: هضم هاضم.
- مَساق، الصّواب: مَسُوق؛ لأنّ اسم المفعول من الفعل الثُّلاثي الأجوف (وسطه ألف) يكون بمُضارعه مع حذف حرف المُضارعة واستبداله بميم المفتوحة: ساق يسوق مسوق.
فصاحةُ الكلام
تعني: سلامة الكلام من الكلمات الّتي تُصعِّب فهم المعنى.
شروط فصاحة الكلام ستّة، وهي:
1. سلامتهُ من تنافر الكلمات:
وذلك بتكرار حرفٍ أو حرفين من كلمةٍ في الشّعر أو النّثر، كقول الجاحظ:
وقبرُ حَرْبٍ بمكانٍ قَفْرٍ وليسَ قُرْبَ قَبْرِ حَرْبٍ قَبْرُ
الشَّاهدُ عجزُ البيتِ، العيبُ: اجتماعُ الكلماتِ وتنافرها.
2. سلامتهُ من ضعف التّأليف:
أن يُخالف الكلام القواعد النّحويّة، كحذف نون يكن في الجزم حين يليها ساكن، كقول الحسن بن عُرْفُطة:
لم يَكُ الْحَقّ سِوَى أنْ هاجَهُ رَسْمُ دارٍ قَدْ تَعفَّتْ بالمَرَرْ
– ومثل وقوع الضَّمير المُتّصل بعد إلَّا، وهو لغةٌ غير مشهورة، كقول أبي الطّيب المُتنبّي:
لَيْسَ إِلَّاكَ يا عليُّ هُمامٌ سَيْفُهُ دُونَ عِرْضِهِ مَرْفُوعُ
– وقول حسّان بن ثابت:
وَلَوْ أنَّ مَجدًا أخلَدَ الدَّهرَ واحدًا مِنَ النَّاسِ أبقى مَجدَهُ الدَّهرَ مُطعِما
حيثُ يعود الضّمير في مجده إلى الاسم مطعم وهو مُتأخّر والواجب تقدّمه.
– وقول الشّاعر:
نحنُ الَّذون صَبّحوا الصّباحا يومَ النُّخَيْلِ غارً مِلْحَاحَا
حيثُ استعمل الّذون بالواو في حالة الرّفع، وهذا غير مشهور عند العرب.
– وقول الشّاعر:
لمّا رَأى طالِبُوهُ مُصْعَبًا ذُعِروا وكادَ لو ساعَدَ المقْدُورُ يَنْتَصِرُ
حيثُ يعود الضّمير في طالبوه على كلمةٍ مُتأخّرةٍ عنهُ لفظًا ورُتبةً، وهي كلمة مصعبًا؛ إذ هي مفعول تأخّر عن الفاعل.
– وقول الفرزدق:
تَعَشَّ فإن عاهَدْتَني لا تَخونُني نَكُنْ مِثْلَ مَنْ –يا ذئبُ– يصطحِبانِ
إذ فصل بين الصّلة والموصول بالنّداء: يا ذئبُ.
3. سلامتهُ من التّعقيد اللّفظي:
وهو تقديم كلماتٍ أو تأخيرها عن مواضعها الأصليّة. كقول أبي الطّيب المُتنبّي:
أنَّى يكونُ أبا البَريّةِ آدَمٌ وأبُوكَ والثَّقَلانِ أنتَ مُحمَّدُ
حيثُ فصل المُبتدأ أبوك عن الخبر مُحمّد، وقدّم الخبر على المُبتدأ في والثّقلان أنتَ؛ فأساءَ إلى ترتيب المعاني بعد أن غيّر في ترتيب الألفاظ.
– ونحو:
ما قَرأ إلَّا واحدًا سليمٌ مع كتابًا أخيهِ، حيثُ قدَّم الصِّفة على الموصوف، وفصل بين المُتلازمين، فبدا الكلام وكأنّهُ مُترجم، والصّواب: ما قرأ سليمٌ مع أخيهِ إلَّا كتابًا واحدًا.
– ونحو قول جرير:
الشَّمْسُ طالِعةٌ لَيْسَتْ بكاسفَةٍ تَبْكي عليكَ نُجومَ اللّيلِ والقَمرا
حيثُ إنّ نجوم مفعول بهِ لكلمة كاسفة، والفصلُ بينهما بجُملة تبكي عليكَ عاق دون سُرعة الفهم.
– وقول المُتنبّي:
مَنْ يهتَدي في الفِعْلِ ما لا يَهتَدي في القولِ حتَّى يفعلَ الشُّعَراءُ
إذ ترتيبهُ: منْ يهتدي في الفعلِ ما لا يهتدي الشُّعراءُ في القولِ حتَّى يفعلَ.
4. سلامتهُ من التّعقيد المَعنويّ:
وهو خَفاء دلالة الكلام على المَعنى المُراد، باستعمالِ كلماتٍ في غيرِ معانيها الحقيقيّة، فلا تُؤدِّي المعنى المُراد، فيختلُّ التّعبيرُ، ويلتبسُ الأمر على السَّامع.
– نحو:
مَنَعَني من مُكالمتك حاجزك، بدل حاجبك.
– ونحو:
نشرَ الحاكمُ ألسنتهُ في المَدينة، والصّواب: نشرَ عيونه، تعبيرًا عن الجواسيس.
– ونحو قول زهير بن أبي سلمى:
ومَنْ لم يَذُدْ عن حَوْضِهِ بسلاحِهِ يُهَدَّمْ ومن لا يَظْلِمِ النَّاسَ يُظْلَمِ
حيثُ استعملَ الظّلم وأراد به دفعُ الأذى عنه، والظّلم لا يُكنى به عن ذلك.
5. سلامتهُ من التّكرار:
– كقول أبي تمّام:
كَريمٌ، متى أمْدَحْهُ أمْدَحْهُ والوَرَى مَعِي، وإذا ما لُمْتُهُ لُمْتُهُ وَحْدِي
وفي نطق البيت بعض الثّقل أيضًا.
– وقوله:
والمَجْدُ لا يَرضى بأن تَرضى بأنْ يَرضَى المَعاشر مِنكَ إلَّا بالرِّضا
حيثُ تكرَّرت الأفعال تكرارًا مُنفرًا.
– وتكرار حروف الجر كَمِنْ وإلى وفي وعَنْ، في قوله:
كأنَّهُ في اجتِماعِ الرُّوحِ فيهِ لَهُ في كُلِّ جارِحَةٍ من جِسْمِهِ رُوحُ
– وكقول ذي الرّمة:
إنِّي واسطارٍ سُطرنَ سطرًا لقائلٌ يا نصرُ نصرٌ نصرا
حيثُ تكرَّرت الأسماء تكرارًا مُنفرًا.
– ونحو قول المُتنبِّي:
أقِل أنِلْ أقطع اجمل علَّ سلْ عدِ زِدْ هشَّ بشَّ تفضَّل أدنِ سُرَّ صِل
حيثُ حشَدَ الأفعال في الشَّطرينِ معًا ومن دون أيِّ حرف عطف.
– وقوله:
ولمْ أرَ مِثْلَ جيراني ومِثْلي لمِثْلي عندَ مِثْلِهمُ مُقَامُ
تكرار لفظ مثل.
– ونحو قول الشّاعر:
بالنَّارِ فرَّقَتِ الحوادِثُ بينَنَا وبها نَذَرْتُ أعُودُ أقْتُلُ رُوحي
حيثُ تبعت الأفعال بعضها بعضًا من دون حرف عطف.
6. سلامتهُ من الإضافات:
– نحو قول ابن بابك:
حَمامة جرعا حومةِ الجَندَل اسجعي فأنت بمرأى من سُعاد ومَسمَع
حمامة مُضافة إلى جرعا (مؤنّث الأجرع، مكان الحجارة السّود)، وجرعا مُضافة إلى حومة، وحومة مُضافة إلى الجندل (الحجر، ومكان الحجارة).
فصاحةُ المُتكلّم
هي قُدرة المُتكلّم على التّعبير من دون تلكؤ وتردّد في أيِّ غرضٍ كان، بعيدًا عن تنافر الحروف، وضعف التّأليف، والتّعقيد اللّفظي والمعنوي، والتّكرار والإضافات. مثل: سحبان وائل، حيثُ إنّه إذا خطب لا يُعيد كلمة، ولا يتوقّف، ولا يقعد حتّى يفرغ.
لا يبلغ هذه الفصاحة إلّا من قضى وقتًا طويلًا مع اللّغة العربيّة؛ فدرسَ أساليبها، وقرأ أدبها وفهمهُ وتدبّره، وحفظ بعض شعر العرب الجيّد ونثرهم، وتعرّف إلى أدبائها وشُعرائها وخُطبائها.
# الفصاحة By محمود قحطان،
شكرا
على الرُّحبِ والسَّعة.