إشكالية التمييز بين قصيدة النثر والخاطرة وقصيدة التفعيلة
إشكالية التمييز بين قصيدة النثر والخاطرة وقصيدة التفعيلة
أُحبُّ الشّعر الحقيقي، ولا يهمُّني إنْ كان قصيدةً عموديّةً أو على نظمِ التّفعيلة أو نثريّة، المُهمّ أن تكون شعرًا، فما دام الشَّاعرُ استطاع أن يَلتحم بجسدِ النَّص ليُخرجَ لنا مرآةً تعكسُ مكنوناتِ نفسهِ، أو تُعبِّر عن حالةٍ وجدانيّةٍ ما، حينئذٍ؛ يستحقُّ هذا الشَّاعرُ أنْ يُصبحَ فنانًا لأنَّهُ استطاعَ أن يلمَسني ببراعةِ استخدامهِ للحرف، وبقدرتهِ على قيادةِ المفردات، ولا نطالبهُ إلاَّ أنْ يسكبَ مشاعره البيضاءَ ثلجًا يذوبُ على أوردةِ السَّطرِ فتندى أحرفهُ بالألق.
مَعَ إيماني بكلامي المذكور آنفًا؛ إلاَّ أنَّني أكرهُ أنْ يكتبَ الشَّاعرُ ما يجهلهُ، صحيحٌ أنَّني لا أهتمُّ بنوعيةِّ الكتابة ما دامتْ قادرة على لمسِ شَغَافِ قلبي؛ ولكنَّني أكرهُ الخلط بين الأصناف الشِّعريَّة عن جهلٍ؛ ما يُسبِّبُ إرباك القارئ والمُتلقّي النّاتجُ عن ارتباكِ الكاتب نفسه!
أصنافُ الشِّعر
لذا؛ لنبدأ بالتّفريق بين الأصنافِ الشّعريّةِ المُتداولة، لاعتقادي بوجودِ أُصناف أخرى ذات مسميَّاتٍ مختلفة ولكنَّها تبقى ضمن هذهِ التّصنيفات الأربعة الآتية:
- القصيدةُ العموديّة: تعتمدُ نظام البيت الشِّعري المؤلّف من صدرٍ وعجزٍ وقافيةٍ وروي، موزونة، ومؤلّفة من تفعيلاتٍ مُحدَّدةٍ تُكوِّنُ البحور الخليليّة.
- قصيدةُ التّفعيلة: الشِّعرُ الحر، طريقةُ استخدامٍ جديدةٍ للبُّحورِ الخليليّة، لا تخرجْ عن التَّفاعيل العَشرة، فكان التّطوير في الشّكل الخارجي فلم تعُد تعتمد على نظامِ البيت الواحد، إنَّما اعتمادها على نظام السَّطر الشّعري، فتُكرَّرُ التَّفعيلةِ بأيِّ عددٍ في السَّطرِ الواحد؛ لذا هي قصيدةٌ موزونةٌ، ولا يُشترط التزامها القافية (مُرسل).
- قصيدةُ النّثر: جنسٌ أدبيٍّ يُمكن أن نطلق عليه شعرًا منثورًا، لا تتقيَّد بوزنٍ ولا قافية؛ ولكنَّها تعتمدُ إيقاعًا داخليًّا وصورًا شعريّة مُكثَّفة ومُبتكرة. نصٌّ سرديٌّ -في الغالب-، يتكوّنُ من جملٍ قصيرةٍ تُكوِّن فقرةً أو فقرتين، وتبتعدُ عن المحسنَّات البديعيّة.
- النّثر/الخاطرة: الخاطرةُ، لم أقرأ ما يُؤصّلها في كتب الأوّلين؛ ولكن يوجد لها تعريفات اجتهد بعض الكتّاب في وضعها، يُمكن البحث عنها واستلهام خصائصها، شُبِّهت بالمقال؛ لذا أصنِّفها ضمن النّصوص النثريّة الّتي لا تلتزم بوزنٍ ولا قافية، تجري عفويّة، وتبتعد عن الإسهاب وتعبِّرُ عن فكرةٍ وإحساسٍ مُعيّنٍ يجولُ في خاطرِ كاتبها. يُمكن اعتماد بعض المحسَّناتِ البديعيّة في هذا النّوع من الكتابةِ، فقد يكون مُسجَّعًا، وبهذا تكون الخاطرة جمعت بين الشِّعر والنَّثر؛ مع أنَّنا لا نستطيع أن نُجزمَ أنَّ الخاطرة تصيرُ شِعرًا ببعضِ المحسّنات البديعيّة ولكن يُمكننا القول: إنَّها تجمعُ فيها بعض خصائص الشِّعر، أي: المُوسيقى الدّاخليّة.
ألمِّحُ إلى نقطةٍ مُهمّةٍ وهي: طريقة الكتابة، فبعض الكتَّاب يكتب نصُّه النَّثري أو خاطرته، -تمامًا- كما يكتب قصيدة التَّفعيلة، أي: مُوزَّعة على أسطرٍ تطولُ وتقصرُ بحسبِ التَّداعي الشُّعوري، وأنا أرى ما تراهُ نازك الملائكة من وجوب كتابةِ النَّثر بملءِ السَّطر، لا تقليدًا للشِّعرِ الحرِّ الّذي يُكتَبُ بتلكَ الطّريقة الموزَّعة على أسطرٍ بناءً على تَكرارِ التّفعيلات.
يتّضحُ ممَّا ذُكر سلفًا أنَّ مُحاولة صنع القافية أو استدراجها يدلُّ على موهبةٍ شعريّةٍ؛ ولكن يغيبُ عن أذهانِ بعض الكُتَّابِ أنَّ القافية لا تأتِي إلَّا مع القصائد الموزونة، سواء العَمودي منها أم التَّفعيلة، ولا تأتِي –أبدًا- مع قصائد النَّثر أو الخاطرة، وهذا ليس كلامًا عابرًا يُمكننا التَّغاضي عنهُ، وليس جديدًا، فلو قرأنا (نقد الشّعر لابن قدامة، وعيار الشّعر لابن طباطبا، والعمدة لابن رشيق القيرواني، ودلائل الاعجاز وأسرار البلاغة للجرجاني… إلخ) لاتّضح لنا أنَّ القافية موجبة للوزن، فمثلًا من كتاب العمدة، يُحدّد ابن رشيق الشِّعر بأنَّهُ يرتكزُ-بعد النِّية- على أربعةِ أشياء، هي: اللّفظ، والوزن، والمعنى، والقافية؛ وعن الوزن –بالذّات- يقول «… مع أنَّ الوزن أعظم أركان حدِّ الشعر، وأولاها بهِ خصوصيّة، وهو مُشتمل على القافية، وجالب لها ضرورة إلَّا أنَّهُ وحده، لا يخلق شعرًا»؛ وهذا يعني أنَّ الإصرار على القافية يشترطُ الوَزن، أمَّا مسألة الشِّعرية فموضوع آخر.
يقول قدامة بن جعفر في نقد الشِّعر: «الشِّعرُ كلامٌ موزون، مُقفَّى، له معنى»، وهنا نرى ربط الوزن بالقافية، فكلاهما موجب للآخر.
الحقيقةُ أنَّهُ عندما تضع القافية على قصيدتك النّثرية أو خاطرتك، فأنت الّذي تضعُ شرط القافية وأنت غير مُلزمٍ بها، والسَّببُ أنَّك لا تُدرك نوع الفَّن الّذي تكتبه.
السجع والقافية
أحبُّ أن أفرِّقَ بين مُصطلحي السَّجع والقافية. كثيرٌ ما يدَّعي بعضهم أنَّهُ لم يتعمَّد القافية وأنَّ القافية هي الّتي تتداعى من تلقاءِ نفسها، وهذا كلام لا يصحّ، وإن أنعَمنا النّظرَ في جوابه، نجده يدَّعي أنَّ ما يكتبه لا يُمثّلُ قافية وإنَّما سَجعًا، والحقيقة، أنَّ السّجع هو: تَوافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرفِ الأخير. أمّا القافية هي: المقاطع الصّوتيّة الّتي تَكون في أواخر أبيات القصيدة؛ أي المقاطع الّتي يلزم تكرار نوعها في كلِّ بيت.
والفاصلة في النثر، كالقافية في الشِّعر، وموطن السَّجع النَّثر، وموطن القافية هو الشِّعر الموزون؛ لكن ما المقصود بالسَّجع هنا؟
الخُطَب، يُمكن الاعتداد بها كمثالٍ للنَّثر، وهناك المقامات، كلاهما يستخدم السَّجع، وهو من المحسّنات البديعية الّتي لا تُستخدم إلاَّ في النثر، وقليلاً جدًّا ما يلجأ له الشَّاعر، كقول أبي تمام حبيب ابن أوس:
تدبيــر معتصم بالله منتقم
لله مرتقب في الله مرتغب
هنا نُلاحظ أنَّ السَّجعَ في البيتِ الشِّعري؛ يكون بجعل كلّ من شطري البيتِ مسجوعًا سجعة تُخالفُ السَّجعة الّتي في الشّطر الآخر، فالشّطر الأوّل سجعته الميم، والثَّاني الباء. والحقيقة لا أعرف إنْ كانَ هذا شرطًا لازمًا أم لا؛ لأنَّ السَّجع يُمكن أن يكون –أيضًا- في حشو السَّطرِ أو البيتِ الشِّعري، وهو ما يُسمَّى ترصيعًا. أمَّا في النَّثر فمن المُستحسن أن يكون مسجوعًا لاستمالة الأذن، مثل خطبة قس بن ساعدة الإيادي حين يقول: «أيُّها النَّاس، اسمعوا وعوا، إنَّهُ من عاشَ ماتَ، ومن ماتَ فاتَ، وكل ما هو آتٍ آتٍ، ليل داج، ونهار ساج، وسماء ذات أبراج،… إلخ». نجد أنَّ السَّجع باتّفاق آخر الجُمل حيثُ يُعطي تأثيرًا موسيقيًّا جميلًا، مع وجوب التزامهِ في كلّ جُملتين أو أكثر، وذلكَ هو السّجع المقصود في الكتابةِ النثريّة، لا كما يكتبهُ بعض كتَّاب النّثر والخواطر بتقليدِ أسلوب قصيدة التَّفعيلة في التَّقفيةِ وفي الشَّكل، وأنا قد أقبلُ الشَّكل، ولا أقبل التَّقفية.
أخيرًا، ليس عيبًا أن تأتي بعض جمل أو أسطرِ النَّص منتهية بألفاظٍ تنتهي بالأصواتِ نفسها أو بالجرس الموسيقي نفسه؛ ولكن بشرط أنْ تكون المشاعر الحسّية والعاطفة الفرديّة تفرضها فرضًا، فالعيبُ أن يكونَ الاستعمال من بابِ التكلُّفِ والتصنُّعِ الّذي يُفقد النَّص عفويّة التِّعبير وصدق الوجدان؛ فيُدخلهُ في متاهةِ ألفاظٍ تُورّثُ السّآمة والثّقل.
فهلَّا كتبنا بطريقةٍ صحيحة، بألّا نخلط بين الأصناف الشّعريّة، ونُعطي كلّ صنفٍ خصائصه وشروطه الّتي تميِّزه عن آخر؟ أرجو ذلك.
# إشكالية التمييز بين قصيدة النثر والخاطرة وقصيدة التفعيلة By محمود قحطان،
درست الشعر فقط في الثانوية العامه ولا كنت أهتم به حتي …
وتعلمت من موضوعك ومدنتك أكثر مما تعلمت في المرحلة التي كنت أدرس فيها الشهر …
موضوعاتك رائعة وممتازة شكرا لك
تقبل مروري 🙂
أخى محمود ..
كلامك علمىٍ ومنطقى ..
ولكن كثيراً ما تجول بخاطر الإنسان بعض الأفكار أو تسيطر عليه بعض المشاعر والأحاسيس التى تدفعه دفعاً إلى التعبير عما بداخله من خلال الكتابة ..
ومعظم ما يكتبه الناس يكون مستقىً من ثقافاتهم ومستويات تعليمهم وخلفياتهم وبيئاتهم .. فيخرج وليد اللحظة فى معظم الأحيان , أو على الأقل فإن هذا هو ما يحدث معى , دون أن يكون متمكناً من الشعر وأدواته بصورته الصحيحة التى ذكرتها.
لذا فأنا أحييك على ما ذكرته فى بدارية مقالك المتميز بقولك ” صحيح أنَّني لا أهتمُّ بنوعيةِ الكتابة؛ طالما أنَّها قادرة على لمسِ شغافي ”
بارك الله فيك أخى الكريم.
أستاذ محمود
الشعر شعر
لن نختلف حول كيفية كتابته
له ألوان ومن يمتلك صياغة تلك الألوان فهو شاعر
وقصدي بوجهة النظر
حين قلت لم تجد للشعر النثري مكانا في كتب القدماء
او نحو هذا المعنى
طيب أنا أكتب مثلا عمودي وأحس به
بينما شاعر اخر يرى أن النثر هو الأكثر
في ذائقته من الشعر العمودي
البعض يرى الشعر العامي انه الأنسب
والبعض التفعيلة سواء كانت مدوره طويلة النفس
او قصيرة الوصول لسطر / شطر اخر
وجهة نظري أنك لن تستطيع اجبار المتلقي
على أن يترك النثر ليحس بالعمودي
ولا العكس كذلك
الشعر هو تعبير للعاطفة بما فيها من حزن أو فرح
وكل يرى له طريقة في التعبير عما يحس
وأنا كنتٌ أميل للعمودي
ولا أؤمن بالشعر الحر
بقصد أن كاتبه يهرب من الإبداع
وانه لا يملك ما يملكه كاتب العمودي من مواهب
صحيح أنا معك ان العمودي له ابداع أرفع وأبدع
لكن لو تأملت للنثر
قلما تجد أهل العمودي
يكتبون كما يكتب الشاعر الحر
فالشعر الحر
بدأت أميل إليه اخيرا
وأقرأه بكثافة
لانه يحمل اسرار بلاغية
ومعان وطلاسم تكتنز فيها التفسيرات
وتتسع لها الهوامش أكثر من تفسير بيت شعر عمودي
العمودي لا يستند للغموض ابدا
الا ما ندر
والحر وجهة نظري فيه أنه رائع كونه يأخذ صاحبه لعالم أوسع
بالتعبير مع التحفظ بالإفصاح عمايحس به
ولا يفقه طلاسمه الا اهل اللغة ومن يفهمون معان الشعر والتفسيرات والشروح الأدبية العميقة
أ / محمود وجهة نظري مازالت قائمة والكلام هنا كثير
هذا باختصار ما استطعت أن اقول
أيها الأستاذ الشاعر الأديب
قرأتُ ولم أكمل
فوجدتكَ ملمّا
ولا فض فوكَ
وتبقى مدرسة الإبداع
وأستاذ الأدب والشعر والبلاغة
يعجبني تتبعك وقراءاتك لأراء
البلاغيين واهل الأقوال في الشعر
وتعريفه
وكل له وجهة نظر
فأنا لي وجهة نظر
سأتحدث بها عن كل صنف مما ذكرتَ
وحتى يتسنى لي الوقت
وأعود من سفري إلى حيث كنتُ أنا وانت
سأتفرع في الكلام وباختصار
لأنني لا أستطيع الكتابة الآن
لأسباب فنية تمنعني من قدرة القراءة
والكتابة وفتح الصفحات كما أريد
لذلك تبقى أنتَ أستاذنا
وتلميذكَ لابد له من رأي
سيأتي يا صديقي العزيز
صديقي الأديب والشاعر محمود
الحقيقة أطلب
توضيحا اكثر يختلط على وعلى البعض الفرق بين الشعر التفعيلى والشعر العمودى
ناصر روكا
حجات فضيعه
تعرف ان كثير من الناس نسو هذه الأشياء ولم يعطو لها الأهميه
لدرجه اني في امتحان العربي وكأني بمتحن لغه لا اعرفها
فعلا لغدتنا تداعت بيننا
هل الوم نفسي لعدم اهتمامي بها؟
او الوم المجتمع؟
با رك الله فيك يا مبدع با ا لحا دثة والاا سلوب لا يحر منا الله منك
وما تكتب تقبلى مرورررري
هااااااا وي