كل ذي عاهة جبار
كل ذي عاهة جبار
سألني أحدهم عن سرّ إعجابي بمقولة:
«كل ذي عاهة جبار»،
الّتي تعني أنّ الإنسان إذا فقد شيئًا فإنّ الله يُعوّضه بشيءٍ آخر فينشأ الشّخصُ جبّارًا يتغلّبُ على عاهتهِ وما ينقصهُ ليتفوّق على أقرانهِ الأصحّاء.
موضوع مميّز: بموت والدي سقط آخر جدران الحياء
نعم، أنا جبّار! لديّ أمثلة عديدة؛ ولكن المثال الّذي أُريدُ توثيقهُ، هو: هل تعلم أنّني أوّل إنسان في الوطنِ العربيّ –بحسب علمي- وربّما في العالم من يدخلُ إلى دولةٍ أُخرى وحيدًا على كُرسيهِ المُتحرّك -لأنّهُ مصابٌ بشللٍ نصفيّ- من أجلِ العمل؟ هل تُدرك معنى أنْ تتركَ أولادَك، وزوجتك الّتي لا يُمكنك أنْ تتركها لأكثر من ساعتينِ لأنّك تحتاجُ إلى رعايةٍ واهتمامٍ، وتحتاجُ إلى من يقضي لك حوائجك بشتّى أنواعها؟
هل تتخيّل أن تتحوّلَ من النّقيضِ إلى النّقيضِ، من حالةِ الاعتمادِ الكُلّيّ على شخصٍ ما إلى وضعِ الاعتماد التّامّ على نفسك فحسب؟
نعم، هو شيءٌ صعبٌ جدًّا. لم يكنِ القرارُ سهلًا قط، ولم يكن لأحدٍ أنْ يجرؤَ أنْ يلومني إذا لم أفعلْ، في الوقتِ الّذي أرى فيه بعضًا ممّن حولي من الأصحّاءِ الكُسالى المُدَلّلين الّذين يُريدونَ أنْ يأتي العملُ إليهم، وإذا سعوا فإنّهم يسعونَ على استحياءٍ، وينهارونَ فورًا عند أصغرِ مُشكلةٍ تُواجههم، ويُريدون أنْ يكسبوا المالَ بأقلِّ جهدٍ وأقلِّ تضحية.
نعم، أنا ضحيّتُ من أجلِ مُستقبلٍ أفضل لعائلتي ولي، من أجل ألّا أظلّ عبئًا على أحد. صحيحٌ أنّ الله لم يُكافئني على هذه التّضحية وهذا السّعي، بل زادَ ابتلاؤهُ إلى درجةِ أنّني فكّرتُ في الإلحاد؛ ولكنّها قصّةٌ أُخرى لم يحنْ وقتها بعد.
نعم، كل ذي عاهة جبار. من يراني سيراني مُبتسمًا دائمًا، وسيشعرُ أنّ هذا الإنسان يحيا من دون عوائقَ أو مصائبَ أو ابتلاءاتٍ لا تنتهي، سيظنُّ أنّ لا شيء يشغلُ بالي، وأنّني لا أبكي –في الأقل- أربع مرّات في الأسبوع!
الاكتئاب مرضٌ، ولكنّهُ لا يُصيبُ سوى ضعاف الشّخصيّة، وأنا لم أكن ضعيفًا. أنا فخورٌ بنفسي، وأحتقرُ من يَمشي على قدميهِ ولا يفعلُ شيئًا في حياته سوى التّذمّرِ والشّكوى، الّذين لم يُنجزوا شيئًا يفتخرونَ بهِ في حياتهم سوى انتقاد الآخرين وتتبّعهم ومُلاحقتهم بل ومُحاربتهم، فهل تُصدّق أنّ أشخاصًا حسدوني على مرضي وكانوا سببًا مُباشرًا في تغيير مسار حياتي!
السّؤالُ الآن:
أنا فخورٌ بنفسي، راجع حياتك وأخبرني، أفخورٌ بنفسك؟
# كل ذي عاهة جبار By محمود قحطان،