مقالات في العمارة والأدب والحياة

وسائل الإعلام الاجتماعية تراقبك ~ الجزء 2

وسائل الإعلام الاجتماعية تراقبك ~ الجزء 2

في الجزء الأوّل دارت الفكرة الرّئيسة حول أنَّ برامج الحاسب الآلي تُعطيك معلوماتٍ كثيرة أو أنّها تبدأ في تغيير نوع المعلوماتِ ومن ثمّ تغييرك.

ما الفرقُ بينَ الإعلانات التّلفزيونيّة أو إعلانات اللّوحات الإعلانيّة أو أيّ شيءٍ آخر؟

الفرقُ هو حلقة التغذية الراجعة المستمرة feedback loop. عندما تُشاهد التّلفاز فإنّ التّلفاز لا يُشاهدك. عندما ترى لوحةً إعلانيّةً فإنّ لوحةَ الإعلاناتِ لا تراك. أعدادٌ كبيرةٌ من النّاس يرونَ الشّيء نفسهُ في التّلفاز والشّيء نفسهُ في لوحةِ الإعلانات؛ ولكن هل يرى النّاسُ الشّيء ذاته في الإنترنت؟ بالتّأكيد: لا. فما أراهُ أنا على (تويتر) مثلًا يختلفُ عمّا تراه. الإعلانات مُختلفة. كيف يحدثُ ذلك؟ نتيجة التّغذية الرّاجعة.

عند استخدام هذه التّصميمات الجديدة: (وسائل التّواصل الاجتماعي، والبحث، واليوتيوب)، عندما ترى هذه الأشياء، فأنت مُراقبٌ باستمرارٍ. تأخذُ الخوارزميّاتُ معلوماتك وتُغيّر ما ستراهُ بعدئذٍ. إنّهم يبحثون.. ويبحثون.. ويبحثون وهم في النّهاية ليسوا أكثر من روبوتاتٍ عمياء! لا ثمّةَ عبقريّة شرّيرة هنا حتّى يجدونَ تلك الأنماط، فبمجرّد أن يُلاحظوا ماذا تُحبُّ وماذا لا تُحبُّ وما الّذي تتفاعلُ معهُ؛ عندئذٍ يُمكن القول إنّها اتّجهتْ لتُصبح شرّيرة. هذه الحيلُ الصّغيرة الّتي يستخدمونها للحصولِ عليك ومن ثمّ تغيير سلوكك. في النّهاية إذا استخدمت (يوتيوب) كلّ يوم؛ فإنّ (يوتيوب) سيبدأ في تغييرك.

مقالات ذات صلة
Trump Dr Evil Mike Myers Tonight Show Video min - وسائل الإعلام الاجتماعية تراقبك ~ الجزء 2
Dr. Evil

سأوضّح الأمر باستخدامِ قصّةٍ شخصيّةٍ سأُحاولُ اختصارها: في (فيسبوك) أو (تويتر) أنا مثل غيري أُتابع أشخاصًا كُثُر. كثيرًا منهم عصبيّونَ ومُتوتّرونَ حول قضايا عديدة مثل: الهِجرة، والضّرائب، والرّبيع العربيّ، وقضايا اجتماعيّة عديدة؛ إلى أنْ لاحظتُ أنّني أصبحتُ أقلّ وِدّيّة! لم أعدْ لطيفًا، صرتُ في حالةٍ من المزاجِ السّيء نوعًا ما، فأدركتُ أنّ النّاسَ الّذين أُتابعهم وأقرأُ المعلوماتِ الّتي ينشرونها كانت سلبيّةً للغاية. ليس من الضّروري أن أُعارضهم ولكنّها كانت سلبيّة. أنا لا أهتمُّ من أينَ أنت؟ أو ما ديانتك؟ عندما تتحدّث عن مُعظم النّاسِ فهم يُحبّون بعضهم بعضًا، نعم لدينا اختلافات، نأكلُ طعامًا مُختلفًا، ونُمارس عاداتٍ مُختلفة… ولكن المعلوماتِ السّلبيّة الّتي أحصلُ عليها باستمرارٍ غيّرتني، جعلتني سلبيّةً مثلها وهذا ليس جيّدًا. إذًا، ماذا فعلتُ؟ تخلّصتُ من كلّ هؤلاء.  الآن، عدتُ إلى طبيعتي!

لماذا لدى وسائل الإعلام الاجتماعية تأثيرٌ في السّياسةِ؟ هل بسببِ طريقة استجابة النّاس للأشياء في وسائل التواصل الاجتماعي؟

يُمكن لمواقع التواصل الاجتماعي التّأثير في السّياسة، كما حدث في الرّبيع العربي مثلًا، أو في السّياسة الأمريكيّة أيضًا، فمُعظم القنواتِ التّلفزيونيّة تُهاجم ترامب وتُعطي معلوماتٍ سلبيّة عنه؛ لذلك يستخدمُ ترامب مواقع التواصل الاجتماعي ليتحدّث إلى كلّ النّاس، الآن، في هذه الأوقات في أمريكا لدى ترامب سُمعةٌ جيّدةٌ ورضىً شعبيٌّ عام أفضل من أوباما وبوش.

في السّلوكيّاتِ التّقليديّةِ traditional behaviorism ستُعطي حيوانًا أو شخصًا هديّةً، أو رُبمّا ستعطيهِ صدمةً كهربائيّةً، وسوف تذهب ذهابًا وإيابًا بين ردودِ فعلٍ إيجابيّة وسلبيّة.

لتوضيح الأمر: لديّ طفلٌ بعمر السّنة، وأريد أنْ أعلّمهُ أنْ يكون جيّدًا، أودّ تعليمهُ أنْ يفعلَ هذا، أرغبُ في تعليمهِ أن يتوقّف عن البكاء ليعيش… ما أفعلهُ الآن هو سلوكيّات تقليديّة؛ لذلك إذا فعلَ شيئًا جيّدًا، سأُدغدغه، أو ابتسمُ له، أو أُعطيه شيئًا لذيذًا؛ هذه الأشياء هي أشياء إيجابيّة، أنا أعلّمهُ الآن كيف يضبط سلوكه باستخدام التغذية الراجعة.

 حسنًا، لنقل إنّ عمرهُ سبع سنوات وفعلَ شيئًا سيّئًا. ماذا سأفعل؟ لن أُعطيه حلوى، سأصرخُ عليه أو أضربهُ على مؤخّرته… هذا تغذية راجعة سلبيّة على أمل أنّهُ سيتعلّم شيئًا جيّدًا وسيتوقّف عن فعل الأشياء السّيّئة، فيُصبح لدينا تغذية راجعة مستمرة. إذًا نحنُ نحتاجُ إلى الإيجابيّات والسّلبيّات لنصنعَ السّلوكيّات النّهائيّة.

عندما يُحاولُ الباحثون تحديد ما إذا كانتِ الإيجابيّات أو السّلبيّات أكثر قوّة؛ فإنّهم على وشك المُساواة parity بينهما. كلاهما مُهمّان؛ ولكن الفرق مع وسائل الإعلام الاجتماعية هو أنّ الخوارزميّات الّتي تُلاحقك تستجيبُ بسرعةٍ كبيرةٍ.
إنّهم يبحثونَ عن الرّدود السّريعة وعن استجابتك الآنية. إنّما الرّدود السّلبيّة، مثل: الشّعور بالذّهول أو الخوف أو الغضب؛ فهي تميلُ إلى الارتفاع ارتفاعًا سريعًا أسرع من الاستجابات الإيجابيّة، مثل: بناء الثّقة أو الشّعور الجيّد.

إذًا، تقبضُ الخوارزميّات طبيعيًّا على السّلبيّة وتُضخّمها amplify، وتُقدِّمُ الأشخاصَ السّلبيّين إلى بعضهم بعضًا. هذا يعني أنّ الخوارزميّات تكتشف أنّ هناك مزيدًا من التّفاعل عندَ التّرويج لداعش ISIS بدلًا من التّرويج للربيع العربيّ. وهكذا، تحصلُ داعش على مزيدٍ من الانتشار. السّبب أنّك عندما تُشاهد أخبارًا عن داعش هو يرى ما تفعلهُ: «أوه، أنا أكره داعش»، «إنّهم أشرار»، أو ربّما هناك من يُحبّهم؛ في حين أنّ استجابة الأفراد للرّبيع العربيّ أقل، «نعم، هذا جيّد لهم». أي أنّ موضوع الرّبيع العربيّ هو موضوعٌ مُملٌ وغير جذّاب، أمّا موضوع داعش هو أكثر إثارة؛ لذلك تستمرّ الخوارزميّات بعرضِ الأشياءِ السّلبيّة طوال الوقت لأنّ المعلومات والفيديوهات عن داعش أكثر شعبيّة وأكثر فائدة للمُعلنين.

الآن في الصّورةِ الكبيرةِ ليس صحيحًا أنّ السّلبيّة أكثر قوّة، فعلى مُستوى خمس ثوانٍ السّلبيّة أقوى، أمّا على مُستوى خمس دقائق فكلاهما مُتساويان؛ ولكن إذا قسّت ردّات فعل impulses البشر بسرعةٍ شديدةٍ بدلًا من السّلوك البشري المُتراكم؛ فإنّ السّلبيّة هي الّتي تُضَخَّم؛ لذلك أنت تميلُ إلى إجراءِ انتخاباتٍ يُغذّيها الحقد rancor وسوء المُعاملة abuse، وتميلُ إلى الحصولِ على نتائج مجنونة!

التّأثيرات في وسائل الإعلام الاجتماعية الّتي نستهلكها -الأخبار أيضًا- هي مُثيرة للقلق أيضًا. أنا وأنت وهو مُستهلكون، نحنُ نشاهد التّلفاز و(اليوتيوب) وهذه الوسائط الّتي نُشاهدها تُؤثّر فينا إضافةً إلى الأخبار، فهي مُرعبة لأنّها تجعلُ النّاسَ غاضبينَ؛ لأنّهم يميلونَ إلى رؤيةِ الأشياءِ السّيّئةِ ويُحبّونها. هذه الأخبار السّلبيّة هي الّتي يُمكنُ رؤيتها في المُستقبل أو الآن، بدلًا من نظام مُتوازنٍ من الأخبار الإيجابيّة والسّلبيّة لما يحدثُ في العالم. إذا نظرت إلى العالمِ، إذا رأيت الصّورةَ الكبيرةَ، إذا نظرت إلى غابةٍ، ستجد أشياءً رائعةً وجميلةً تحدثُ فيها؛ ولكن ثمّة أشجارٌ كثيرةٌ، ووسائل التواصل الاجتماعي والأخبار تُريك الأشجار!

هل الشّاشة بحدّ ذاتها هي السّيّئة أم الّذي في الشّاشّة هو السّيء؟

يجبُ أن تُفكّر في هذا السّؤال كثيرًا. يمكثُ الأطفال ساعاتٍ طويلة إزاء أجهزتهم اللّوحيّة أو شاشات حاسوبهم وهذا شيءٌ سيء. وقتُ التّلاعب هو الوقت الّذي تُراقبُ فيه الخوازرميّات الأطفال وتُدخِلُ التّعديلاتِ على سلوكهم.
عندما يستخدمُ طفلك الشّاشة للمُذاكرة أو الرّسم مثلًا، فهذا جيّد، وعندما يستخدمُ (اليوتيوب) أو (الفيس بوك) أو (تويتر) لا بأس؛ ولكن عليك أن تكونَ حذرًا؛ لأنّ الإنترنت لا يعلمُ أنّهم أطفالٌ، هو يرى التّفاعل فحسب؛ لذلك هو يدفعُ بالسّلبيّاتِ تجاههم. هذا هو التّلاعب؛ عندئذٍ عليك تحديد وقتٍ للاستخدام (عشر دقائق أو ربع ساعة أو نصف ساعة) قدّر الوقتَ المُناسب لطفلك، فوقت الإنترنت وخوارزميّاته أسوأ بكثيرٍ من وقت الشّاشة بمفردها.

# وسائل الإعلام الاجتماعية تراقبك ~ الجزء 2 By محمود قحطان،

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!