مقالات في العمارة والأدب والحياة

وسائل الإعلام الاجتماعية تراقبك ~ الجزء 1 من 2

وسائل الإعلام الاجتماعية تراقبك ~ الجزء 1 من 2

إذا سُئلت: أثمّة سببٌ أساسيٌّ لحذف حسابك في وسائل الإعلام الاجتماعية؟

ثمّة سببان: أحدهما من أجل مصلحتك الخاصّة، والآخر لخير المُجتمع.
الخاص بمصلحتك: وسائل الإعلام الاجتماعية بوساطة خوارزميّات مُعيّنة تُعالجُ بمهارةٍ subtly وتُشاهد كلّ ما تفعلهُ باستمرار، ثمّ تُرسل إليك التّغييرات في خلاصةِ الوسائط الّتي تتكيّف معَ ما تُفضّلهُ إلى حدّ إعجابك ببعض المُعلنين غير المرئيّين. هكذا، إذا خرجت من ذلك؛ أي: إذا اعتزلت وسائل الإعلام الاجتماعية؛ يُمكنك الحصول على فرصةٍ للتّركيز ولرؤيةٍ أكثر وضوحًا لنفسك وحياتك.
إنّما رُبّما السّبب الخاص بالمُجتمع قد يكون أكثر أهميّة: لقد عُتِّمَ المُجتمعُ تدريجيًّا وكلّ شخصٍ تحت هذه النّسخة المُعدّلة من السّلوك بوساطة هذا المُخطّط الّذي يخضعُ فيه الجميع للمُراقبة surveillance طوال الوقتِ. على سبيل المثال: 70% من النّاسِ يستخدمون وسائل الإعلام الاجتماعية، يعني هذا أنّ 70% من النّاسِ يتلاعبُ بهم المُعلنون غير المرئيّين كلّ يوم.

يفقدُ النّاسُ سيطرتهم على تفكيرهم الطّبيعيّ بوساطة الذّكاءِ الاصطناعي الّذي يضعهم في أفكارِ الآخرين. لقد جعلتِ النّاسَ مُتوتّرينَ jittery ومُنزعجينَ cranky. راقبْ نفسك عندما تطلبُ زوجتك شيئًا أو حدّثك أحدُ أبنائك وأنت تتصفّحُ أحد هذه المواقع وأخبرني كيف هي ردّة فعلك؟! يجعلك هذا في حالةٍ من الاضطراب والقلق المُستمرّ، لا تُريدُ أن يفوتك شيئًا، ولا تُريد لأحدٍ أن يُقاطعك، وطوال الوقت أنت في هذهِ المواقع تُشاهدُ وتكتبُ وتنتظرُ الإعجابَ أو التّعليقَ أو التّفاعلَ، وعندما لا يحدثُ هذا تكتئب!

نعم، هذه المواقع جعلتِ المُراهقين أكثر عُرضة للاكتئاب الّذي قد يكون حادًّا severe؛ لكنّها –في الوقت ذاته- جعلت السّياسة غير حقيقيّة وغريبة لأنّنا لسنا واثقين ما إذا كانت الانتخابات حقيقيّة أم لا، مثلًا. لسنا مُتحقّقين من مدى فعاليّة التّدخّل العسكري في اليمن، نحنُ عرفنا أنّ القضيّةَ كانت تحريريّةً وشريفةً إلى أن غيّرت هذه المواقع رؤيتنا، فبدأنا بالشّك في جدواه وما يرمي إليه ويستهدفه. الخُلاصة: أنّ الواقعَ أصبح في شاشةِ الحاسوب!

موضوع مُميّز: شخص ما يُراقبك!

هل مواقع التّواصل الاجتماعيّة سيّئة لي كفردٍ لأنّني أدمنُتها؟

لقد أعلنَ مُؤسّسو امبراطوريّات التّجسّس العظيمة مثل: فيسبوك Facebook علنًا أنّهم أدرجوا -عن قصدٍ- مُخطّطاتٍ إدمانيّةٍ في تصاميمهم. علينا أن نُعرّفه على أنّه إدمانُ التّخفّي stealthy. إنّهُ إدمانٌ إحصائيّ. فكّر في ذلك، بعض النّاسِ يذهبُون إلى (اليوتيوب) لمُشاهدة فيديو واحد مُعيّن فيمكثونَ أكثر من ثلاث ساعات في مُشاهدة فيديوهات عديدة! ما الّذي حدث؟ هذا هو: الإدمان.

إذا توجّهت إلى اليوتيوب لمُشاهدة فيديو مُعيّن وبعد مُشاهدته توقّفت، فهذا جيّد؛ ولكن مُعظمنا لا يفعل ذلك لأنّ الفيديوهات المُقترحة هي رائعة عادةً. هذه المواقع تدفعُ النّاسَ إلى استخدام كثيرٍ من خدماتها، يجعلونهم مُدمنين بوساطة خططٍ من المكافآتِ والعقاب. على سبيل المثال: المُكافآت عند إعادةِ تغريدتك أو تسجيل إعجابٍ بما تنشره، والعقوبة عندما يُعاملك الآخرونَ بطريقةٍ سيّئة في الإنترنت؛ ومن ثمّ تبدأ هذه المواقع بالتّدريج بالاستفادة leverage من ذلك الإدمان؛ لتغييره. إذًا هذا نوعٌ من التّلاعب الخفيّ بالسّكان. الأمرُ ليس مُثيرًا للدّهشةِ مثل مُدمن الهُيروين أو مُدمن القِمار؛ ولكنّ المبدأ هو نفسه.

من الّذي يتلاعب بك؟ فليس ثمّة شخص يجلس وراء الشّاشة.

حسنًا، هذه هي خصوصيّة peculiarity الوضع. الأشخاصُ الّذين يُديرون شركات التّكنولوجيا مثل: جوجل Google وفيس بوك facebook ليسوا هم من يتلاعبُ بك، مارك زوكربيرغ ليس من يتلاعبُ بك، إنّما كلّ ما يُمكنهم فعله هو جعلك مُدمنًا، هم لا يستطيعون جعلك تُحبّ الإسرائيليّين مثلًا، هم لا يهتمّون بحبّك أو كرهك لهم، هم يهتمّون بحبّك إلى الفيس بوك، هذا ما يُريدونه، يُريدون استمرار زيارتك إلى مواقعهم. لكن المُتلاعب الّذي يركبُ على ظهرِ هذا الإدمان هو الزّبون (المُعلن) الّذي يدفعُ المالَ إلى هذه الشّركات، هم يُراقبونَ إدمانك ويُحاولونَ تغييرك لأنّهم يعرفونَ: أين أنت؟ وماذا تفعل؟ وماذا تُحبّ؟ وماذا تكره؟ فيأخذون هذه المعلومات لإنشاء إعلانات أو حملات سياسيّة… وغيرها؛ لذلك فإنّ كثيرًا من هؤلاء العُملاء ليسوا مُؤثّراتٍ سيّئةٍ على الإطلاق. هم قد يُحاولون التّرويج لسيّاراتهم أو عطورهم أو أيّ شيءٍ آخر. بالفعل، يجبُ أن تتعاطفَ معهم لأنّهم يشعرونَ بالقلق من أنّهم إذا لم يضعوا أموالًا في هذا النّظام فلنْ يعرف أحدٌ عنهم شيئًا، هم مُضطرّون إلى الإعلان عن مُنتجاتهم.

يتبع…

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!