مقالات في العمارة والأدب والحياة

الإيثار في الإسلام: النبل الروحي والمبادئ الأخلاقية

الإيثار في الإسلام يعرف الإيثار هو قيمةٌ روحيّةٌ يجري إبرازها وتشجيعها على نطاقٍ واسعٍ في العقيدةِ والتّعاليمِ الإسلاميّة. يُشجِّعُ المسلمونَ على إعطاءِ الأولويّةِ للتّضحيةِ أو التّخلّي عنِ احتياجاتهم ورغباتهم لمنفعةِ الآخرين. في المواقفِ الّتي تتطلّبُ ذلك؛ يجبُ عليهم حتّى التّخلّي عمّا يعتقدونَ أنّهُ ذو أهميّةٍ قُصوى أو يحتاجون إليه لأنفسهم. الإِيثارُ هو أن تضعَ مصلحة الآخرين قبل مصلحتك الشخصية. إنّها (أيديولوجيّة) نبيلةٌ للغايةِ يجبُ الالتزام بها، وهي توضّحُ أنّ المرءَ لديه اهتمامٌ حقيقيٌّ بالآخرينَ ومستعدٌّ لوضع احتياجاتهِ ورغباتهِ جانبًا.

سر السعادة | محمود قحطان (mahmoudqahtan.com)

بوساطة الإيثار يُظهرونَ رغبتهم في المُشاركةِ الفعّالةِ، والتّضامنِ، والعيشِ في سلامٍ ووئامٍ معَ الآخرينَ. إضافةً إلى ذلك، يُظهرُ هذا طريقةً رائعةً لتعريفِ الحبّ الحقيقيّ؛ لأنّهُ ينطوي على التّقديرِ والتّضحيةِ بالنّفسِ، وحتّى تقديم ممتلكاتِ المرءِ ومصالحهِ حين يرتبطُ الأمرُ بمنفعةِ الآخرين.

مقالات ذات صلة

معَ ذلك، لضمان تطبيق الإيثار على نحو مناسبٍ ومتّسقٍ، هناك بعض الشّروط الّتي يجبُ الالتزام بها. إذا لم تُتّبع هذه الشّروط، فهذا يُعَدُّ نقصًا وانتهاكًا لحقوقِ الإنسان.

شروط الإيثار في الإسلام

شروطُ الإيثار هي الشّروطُ الّتي يجبُ أن تُتاحَ في الشّخصِ الّذي يريدُ أن يُؤثرَ غيره على نفسهِ في شيءٍ ما، وهي كما يأتي:

  • يجبُ ألّا يُهدر الفردُ وقتَه، ولا ينتهك حقوقه أو واجباته، بسببِ الإيثار، بل يحرص على تحقيقِ توازنٍ بينَ حقّهِ الشّخصيّ وحقوق الآخرين.
  • يجبُ ألّا يتسبّبَ الإيثار في إفسادِ حالة الشّخصِ أو تُسبّب له أيّ ضررٍ، بل يجبُ أن يكون متوازنًا ومناسبًا لوضعهِ الحاليّ.
  • الإيثار يكونُ في أمورٍ حلالٍ ومُستحبّةٍ، غير محظورةٍ أو مكروهةٍ، وَفقًا لتعاليم الله وتوجيهاتِ رسوله.
  • إنّ الإيثارَ يجبُ أن يكونَ خالصًا لأجلِ اللهِ فقط، من دونِ أيّ نيّاتٍ خفيّةٍ لاستحقاقِ الثّناء أو الشّهرة أو أيّ مكاسبَ عالميّة، وإنّما يكونُ كلّ ذلك لطلبِ الأجرِ والثّوابِ منَ اللهِ فحسب.
  • أن تكون التّضحيةُ لصالح الأشخاص المستحقّين منَ الفقراء والمحتاجين والمحسنين والمؤمنين، وبالأخصّ لأولئك الّذين لديهم أقرب الصّلات وأكبر الحَوجة.

انتقل ابن القيم في كتابه «مدارج السّالكين» لذكر هذه الشّروط، وقد استندَ إلى الأدلّةِ الموجودةِ في القرآنِ، والسّنةِ النّبويّةِ، والأخبارِ الصّحيحة عنِ الصّحابةِ والتّابعين.

الإيثار في الإسلام والصّداقة

من أمثلة الإيثار منَ النّاحيةِ العمليّةِ هو الصداقة؛ لأنّهُ غالبًا ما يضعُ الأصدقاءُ مصالحَ أصدقائهم قبلَ مصالحهم الخاصّة أو يبذلونَ قُصارى جهدهم لفعلِ شيءٍ من شأنهِ أن يجعلهم سعداءَ، بغض النّظر عن تسبّبه في نوعٍ منَ التّأثير الضّارّ في حياتهم الخاصّة أو تطوّرهم الشّخصيّ؛ ولكن الاهتمام الزّائدُ بالآخرين الّذي يتراكمُ في نفوسنا يُؤدّي إلى تعفّنِ الشّعورِ تجاههم، وعندما يتعفّن الشّعور تتأثّرُ العلاقاتُ ويحدثُ التّقصير فيها، وعند حدوث التّقصير، تنشأ الصّراعاتُ والاتّهاماتُ بينَ الطّرفينِ، ويُحاولُ كلُّ طرفٍ إرضاء الآخر لتهدئة الوضعِ، ليس بسببِ الحبّ، وإنّما لتجنّبِ المزيدِ منَ المشكلاتِ. في النّهايةِ، تنتهي العَلاقةُ دونَ سببٍ واضحٍ!

الإيثار في الإسلام ليسَ عالميًّا

 منَ المهمّ ملاحظة أن الإيثار ليس عالميًا، وأن بعض الإجراءات مثل الكرم والوقت والتّسامح لا يمكنُ تطبيقها بإيثارٍ في جميعِ الحالات. في حالةٍ مثل الصَّفحِ مثلًا، يُوضّحُ القرآنَ أنّ اللهَ سوفَ يُجازي من يعفو، جاء فيه: {فَمَنْ عَفَا، وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى الله}، وهذا يعني أنّهُ معَ أنّ الغفرانَ فضيلةٌ؛ إلّا أنّهُ يتطلّبُ الإصلاحَ، وهذا يعني أنّهُ ليس لدى شخصٍ يعفو دونَ إصلاحٍ أجرٌ عندَ اللهِ.

صحيحٌ أنّه عندما تعفو عمّن ظلمك أو أخطأ في حقّك أو أهملك، فإنّكَ تُسهم في إعطائهِ فرصةً للتّوبةِ والعودةِ إلى السّلوكِ الصّحيح؛ ولكنّها فرصةٌ غير مضمونةٍ. بمعنى آخر، يجبُ أن تُعلمهُ عن خطئهِ، أن تُقلّلَ عقوبته، وتجعلهُ يتذوّق مرارةَ ما فعلَ حتّى يتعلّم الدّرسَ، ويسعى لتجنّب تَكرارهِ في المُستقبلِ.

في الختامِ، الإيثار خُلُقٌ جميلٌ وفضيلةٌ عظيمةٌ تدلُّ على قوّةِ الإيمانِ، وصفاء القلبِ، وسموّ الأخلاق، وقد أمرنا الله تعالى به في كتابهِ، وأثنى على المؤثرين بأجملِ الصّفاتِ، ووعدهم بأعظمِ الثّوابِ. قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون}.

# الإيثار في الإسلام: النبل الروحي والمبادئ الأخلاقية by محمود قحطان،

محمود قحطان

باحثُ دراساتٍ عُليا، وشاعرُ فُصحى، ومُدقّقٌ لغويُّ، ومُهندسٌ مِعماريٌّ استشاريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

‫8 تعليقات

  1. عندما نمارس الإيثار، نرتقي بقيمنا ونعزز الروابط الاجتماعية بيننا، مما يجعل العالم مكانًا أفضل للجميع. لنكن دائمًا متجاوبين مع احتياجات الآخرين ونسعى لمد يد العون والمساعدة في كل فرصة نحصل عليها. الإيثار يمنحنا السعادة الحقيقية والرضا بأنفسنا وبمساهمتنا في خدمة الآخرين.

    1. أنتِ مُحقّة، الإيثار يعكسُ أعلى قيم الإنسانيّة ويجعلنا أكثر تواصلًا وتعاونًا معَ الآخرين. دعينا نستمرّ في مُمارسة هذه الفضيلة لجعل العالم أفضل.

  2. فعلا هو أسمى مظهر من مظاهر العطاء والتضحية للنهوض بالمجتمع وتحقيق التوازن والتكافل الإنساني.

    1. أوافقكِ الرّأي، الإيثار يُعزّز روح التعّاون والتّآخي بين النّاس، ويجعل الحياة أكثر إشراقًا وسعادةً. لنستمر في مُمارسة الإيثار في حياتنا اليوميّة.

Average
5 Based On 4

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!