مقالات في العمارة والأدب والحياة

شروط المفسر السبعة

لماذا لا يفسر القرآن إلا العلماء؟

اقرأ في هذا المقال
  • شروط المفسر السبعة
  • خطورة التّفسير بالرّأي المجرّد عنِ العلمِ
  • رحلةٌ في عقل المفسر: ما شروط المفسر السبعة؟
  • تواضع الكبار: قصة ابن عباس ومعنى «فاطر»
  • الخاتمة: تقدير للتّخصص وتواضع في الفَهم

شروط المفسر السبعة

إنّ الحديث عن شروط المفسر وأدواته العلميّة يكتسبُ أهميّةً قُصوى في عصرنا؛ ففي زمنٍ تنتشرُ فيه المعلومةُ بضغطةِ زرٍّ، أصبح من السّهل على أيّ شخصٍ أن يُبدي رأيه في كلّ شيءٍ، حتّى في أعظم نصٍّ وأقدسه: القرآن الكريم. من منطلق حبّنا لكتابِ الله ورغبتنا الصّادقة في فَهمه، قد نميلُ أحيانًا إلى تفسير آياته بناءً على فَهمنا الشّخصيّ أو استنتاجاتنا الخاصّة. لكن، خيطٌ رفيعٌ وحاسمٌ يفصلُ بين التّدبّر المشروع والتّفسير الّذي يتطلّب أدوات علميّة صارمة. إنّ فَهم هذا الفرق هو مفتاحُ تعظيمنا لكلام الله، وتقديرنا لجهود العلماء الّذين أفنوا أعمارهم في خدمته.

إنّ شروط المفسر ليست مجرّد قيودٍ تعجيزيّةٍ، بل هي أسوارٌ علميّةٌ تحمي النَّصَّ القرآنيَّ منَ الفَهمِ الخاطئ والقول على الله بغيرِ علمٍ، وهو من أعظم الذّنوب. هذا المقالُ ليس دعوةً لإغلاق المُصحف، بل هو دعوةٌ لفتحهِ بقلبٍ أكثر تواضعًا وعقلٍ أكثر تقديرًا لعظمة هذا العِلم.

خطورة التّفسير بالرّأي المجرّد عنِ العلمِ

إنّ أعظم ما يُميّز علم التفسير هو أنّه ليس مجرّد «رأي» أو «وجهة نظر»، بل هو علمٌ له أصوله وقواعده ومنهجيّته. عندما يتحدّث المفسّر، فهو لا يتحدّث عن نفسهِ، بل يسعى جاهدًا لنقل «مراد الله» من كلامهِ قدر استطاعته. والخطأ في هذا الباب ليس كأيّ خطأٍ آخر؛ لأنّه يترتّب عليه ضلالٌ في الفَهمِ والعقيدةِ والعملِ. لهذا السّبب، وضع العلماء شروطًا دقيقةً لمن أراد أن يخوضَ في هذا البحر العميق، فلا يُمكن لأيّ سبّاحٍ أن يغوصَ في أعماقِ المُحيط دون تدريبٍ وأدواتٍ.

رحلةٌ في عقل المفسر: ما شروط المفسر السبعة؟

لكي نفهم حجم الجهد والتّأهيل المطلوب، دعونا نستعرض بيُسرٍ شروط المفسر السّبعة الأساسيّة الّتي يجبُ أن يمتلكها من يتصدّى لتفسير القرآن:

1. علمٌ موسوعيٌ بالعقيدةِ الصّحيحة:

الأساس الأوّل هو الأساس العقدي. يجبُ أن يكون المفسّر راسخًا في عقيدةِ أهل السّنة والجماعة؛ لأنّ العقيدة هي النّظّارة الّتي يرى بها العالم. إذا كانت نظرته مشوّشة أو منحرفة، فسيُسْقِطُ حتمًا فَهمه الخاطئ على الآياتِ، فَيَضِلُّ ويُضَلُّ.

2. علمٌ بتفسيرِ القرآنِ بالقرآنِ:

القرآن هو أفضل مفسّر لنفسه. فالآية الّتي قد تبدو مجملة في موضع، تجد تفصيلها في موضعٍ آخر. القصّة الّتي تُذكر باختصار في سورةٍ، تُروى بتوسّعٍ في سورةٍ أخرى. المفسّر الحقيقيّ يجبُ أن يكون حافظًا للقرآنِ بأكملهِ، ومستحضرًا لمواضعهِ المُختلفة ليربط بينها ويستخرج المعنى الكامل.

3. علمٌ موسوعيٌّ بالسّنةِ النّبويّة:

السّنة هي الشّارح العمليّ للقرآن. قال تعالى: ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. فكيف نفهم الصّلاة أو الزّكاة أو الحجّ بتفاصيلها دون الّرجوع إلى فعل النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وقوله؟ يحتاجُ المفسّر إلى معرفةٍ واسعةٍ بالحديثِ الصّحيح ليفسّر به كلام الله.

4. علم بأقوال الصّحابة والتّابعين:

هم الجيل الّذي شهد التّنزيل، وتعلّم التّفسير مباشرةً من النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم. فَهمهم للآياتِ هو حجّة ودليل؛ لأنّهم الأقرب إلى فَهم السّياقِ واللّغةِ والواقعِ الّذي نزلَ فيه القرآن. تجاهل أقوالهم والبدء من الصّفر هو ضربٌ من الجهلِ والغرور.

5. علمٌ متبحّرٌ باللّغةِ العربيّةِ وفروعها:

القرآن نزل «بِلِسَانٍ عَرَبِىٍّۢ مُّبِينٍۢ». ولا يكفي هنا معرفة المفردات فحسب، بل يجبُ الإحاطة بعلوم اللّغةِ الدّقيقة: النّحو (لمعرفة وظيفة كلّ كلمة)، والصّرف (لمعرفة أصل الكلمة وتصريفاتها)، والبلاغة (بفروعها من معانٍ وبيانٍ وبديعٍ، لفَهم أسرار التّعبير القرآنيّ وإعجازه).

6. علمٌ بالعلوم المتّصلة بالقرآن:

ثمّةَ علومٌ خادمةٌ أخرى لا غنى عنها، مثل علم أسباب النّزول (لمعرفة السّياق التّاريخيّ للآية)، وعلم النّاسخ والمنسوخ، وعلم القراءات القرآنيّة الّتي قد يترتّب على اختلافها اختلاف في المعنى.

7. إلمامٌ بأنواع التّفاسير ومناهجها:

أخيرًا، يجبُ أن يكون على درايةٍ بجهودِ من سبقوه. يجبُ أن يعرف التّفسير بالمأثور (التّفسير بالنّقل) والتّفسير بالرّأي (التّفسير بالاجتهاد المحمود المبنيّ على القواعدِ السّابقة)، ليميّز بينَ الغثِّ والسّمين ويعرف أين يضع قدمه.

تواضع الكبار: قصّة ابن عباس ومعنى «فاطر»

لكي ندرك عظمة شروط المفسر السّبعة، يكفي أن ننظر إلى قصّة عبد الله بن عباس، حِبر الأمّةِ وترجمان القرآن، الّذي دعا له النّبي بالفقه في الدّين وعلم التّأويل. يقول رضي الله عنه:

«كنتُ لا أدري ما معنى فاطر السّماواتِ والأرضِ، حتّى أتاني أعرابيان يختصمان في بئرٍ، فقال أحدهما: أنا فطرتُها، أي أنا ابتدأتُها».

تأمّل في هذا المشهد! ابن عبّاس، بعلمهِ وفَهمهِ، يتوقّف بتواضعٍ عند كلمةٍ لا يعرفُ معناها الدّقيق، فيتعلّمها من أعرابيّ، من أهل اللّغةِ الأصليّين. إذا كان هذا حال ترجمان القرآن، فكيف بمن يأتي بعده بقرونٍ ليُفسّر برأيه المجرّد دون الرّجوع لأهل الاختصاص؟

الخاتمة: تقدير للتّخصص وتواضع في الفَهم

إنّ الهدف من استعراض شروط المفسر ليس إغلاق باب الفَهم عليك، بل هو فتحُ بابِ التّقدير والاحترام لهذا العلم العظيم وعلمائه. أنت مدعو لقراءة القرآن، وتدبّره، والتأثر به، وفَهمه فهمًا إجماليًا. (90%) من القرآن، كما ذكرنا في مقالٍ سابق، ميسر للفَهم العام.

لكن عندما يتعلّق الأمر بإصدار حكمٍ، أو استنباط تشريعٍ، أو الخوض في تفاصيل دقيقة، هنا يأتي دور التّواضع العلميّ. هنا نتذكّر جهود هؤلاء الأئمة، ونرجعُ إلى كتبهم، ونسأل أهل العلم، فنجمع بين نور الوحي ونور العلم الّذي ورثوه. احترام التّخصّص هو أساسُ كلّ حضارةٍ، وتقديرنا لجهود علمائنا يجعلنا أكثر امتنانًا لهذا التّراث العظيم، وأكثر حذرًا في أن نقولَ على الله ما لا نعلم.

# شروط المفسر By محمود قحطان،

محمود قحطان

باحث دكتوراه واستشاريّ في الهندسة المعماريّة. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  • Rating

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!