مقالات في العمارة والأدب والحياة

الحشيش وتقنينه

الحشيش وتقنينه

الحشيش ليس مثل الهيروين، إذا أخذت الهيروين فجسمك سيحتاجُ إليهِ وهذا هو خطر تعاطيه؛ في حين أنّ الحشيش ليس كذلك، يُمكن أن تُدمِن الحشيش لأنّهُ إدمانٌ نفسيٌّ وليس إدمانًا فيزيائيًّا؛ بمعنى إذا اعتدت على تعاطي الحشيش مرارًا وتَكرارًا ثُمّ قرّرت التّوقّف عن تعاطيهِ يُمكنك ذلك.

إدمانُ الكحول أكثر تأثيرًا من إدمان الحشيش، فإذا أتاحتِ الدّولة تعاطي الكحول فمن بابٍ أولى السّماح بتعاطي الحشيش.

الحشيشُ ليسَ قانونيًّا في دولٍ عديدةٍ فحسب، بل أصبح عَمَلًا تجاريًّا كبيرًا أيضًا.
لقد أتاحتْ دُولٌ عديدةٌ المُنتج للاستخدامِ الطّبّي مع السّماحِ للبالغين بشرائه أو الحصول عليه لأغراضِ التّرفيهِ أيضًا.
الحشيشُ الموجود في السّوق اليوم أكثر قوّةً وفعاليّةً ممّا كان عليهِ منذُ ثلاثين عامًا، وعددُ الأشخاصِ الّذين يُعانونَ من اضطراباتِ تعاطي الحشيشَ في ارتفاع.

يظنُّ الأكاديميّونَ والأطبّاء أنّ هذه الإِجازة القانونيّة قد يكون لها آثارٌ صحيّةٌ إيجابيّةٌ بوجهٍ عام؛ لكنّهم قلقون من أنّ الحشيشَ المُتاح بسهولةٍ قد يُؤدّي إلى بعضِ مشكلاتِ الصّحةِ العامّة أيضًا.

حظرُ الحشيشِ لهُ تكلفةٌ ماليّةٌ هائلة وتكلفةٌ بشريّةٌ أسوأ، فمنع النّاسِ من التّعاطي يُعرّضُ من يتعاطى إلى المُحاكمةِ والسّجنِ ونفقاتِ رعاية هذا السّجين وغيرها، فمنعه يُحمّلُ الدّولة عبئًا؛ إضافةً إلى أنّ الباحثينَ جادلوا جِدالًا مُقنعًا بأنّ الحشيش أقلّ خطورةً من الكحولِ مثلًا، كثيرٌ منَ النّاسِ يدعمونَ ذلك؛ مع ذلك نجد أماكن كثيرة تسمح بتعاطي الكحول ويقبضونَ على من يتعاطى الحشيش ما يؤدّي إلى خسارة هؤلاء الأشخاص.

لكن قبل بضعةِ عقودٍ، أبلغَ نحو واحد من كلّ عشرةٍ من مُتعاطي الحشيش أنّهُ يتعاطاهُ يوميًّا، أي أنّ نسبة من يتعاطى الحشيشَ يوميًّا هي عشرة بالمئة.
اليوم، مزيدٌ من النّاسِ يستخدمونه، وحصّة المُستخدمين الشّهريّين الّذي يتعاطونه كلّ يومٍ تقريبًا هي (40%) بحسب بعضِ التّقديراتِ.
هذا يعني أنّ الأشخاصَ الّذين يتعاطونَ الحشيشَ يكونونَ أكثر بثلاثةِ أضعافٍ ممّن يتعاطونَ الكحول يوميًّا.

للحشيشِ تأثيراتٌ صحيّةٌ من بينها: إضعاف الوظيفة الإدراكيّة: كلّ شيءٍ يسيرُ ببطءٍ. إضافةً إلى طَبعهِ في الذِّهن؛ أي غرس الاعتماد؛ يعني هذا أنّهُ كلّما دّخنت أكثر ستُحبّ الشّعور الّذي يجلبهُ إليك ما يؤدّي إلى إدمانك، وعندما تُصبحُ مُدمنًا للحشيشِ؛ بعدئذٍ إذا قرّرت هجرهُ فستُعاني من أعراض الانسحاب، وهي ردّة فعل جسمك عند التّخلّي عن تعاطي الحشيش أوِ الكحول أوِ الموادّ المُخدّرة. نحو (9%) من الأشخاصِ الّذين يستخدمون الحشيش يُصابون بهذه الاتّكاليّة (مُدمنون ذهنيّون)، وهذا يعني أنّهُ يُمكن أن يكونَ لديهم أعراض انسحاب مثل: تغيّرٍ في المِزاجِ وصعوباتٍ في النّومِ، والنّهمِ الشّديد للأكلِ، والقلقِ.
لعددٍ قليلٍ من المُستخدمين يُضعفُ الحشيش -بجديّة- نوعيّة حياتهم.

اقرأ أيضًا: ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والقيادة A Higher Loyalty

قد تُؤدّي المعايير التّنظيميّة المُتساهلة والتّسويق القويّ في بعضِ الدّولِ إلى زيادةِ بعض مخاطر الصّحة العامّة المُرتبطة بالحشيش؛ مع أنّ السّماحَ بهِ يُقلّل من مخاطر الصّحة العامّة الأُخرى.

قلّة المُشاركة الحكوميّة في التّقنينِ تعني أنّ مُنتجاتِ الحشيشِ لا تخضعُ لاختبار السّلامةِ مثل المُستحضراتِ الصّيدلانيّةِ، أو أن تُعطيني مُعلوماتٍ عن الجُرعة مثل مُنتجات الموادّ الغذائيّة، أو أن تخضعَ لمعايير السّلامة الزّراعيّة بالكشفِ على  المزارع ورؤية مُشكلاتها والتّعرّف إلى الآثار الجانبيّة ومن أين تأتي المياه وغيرها كما يجري مع المحاصيل، أو أن تخضعَ لمعايير الوسم الّتي تُوضّح نسبة الكحول في المشروباتِ الكحوليّةِ مثلًا. أي أنّك عندما تحصل على الحشيش لا يوجد رقابةٌ عليه، كلّ ما هنالك هو تأكيد البائع أنّ هذا الصّنف قوي!

هذا لا يعني أنّ الحظرَ هو سياسةٌ أكثر جاذبيّةً أو أنّ التّشريعَ أثبتَ أنّهُ كارثةٌ على الصّحةِ العامّةِ. هذا ليسَ صحيحًا أيضًا.

وجهةُ النّظر الكبيرةُ أنّ الغالبيّة العُظمى من الأشخاصِ الّذين يتعاطونَ الحشيشَ لن يكونوا مُستخدمين مُسبّبين للمُشكلاتِ بحجم مُدمني الكحول مثلًا؛ ولكن قد تكون ثمّة طرائق أفضل للدُّولِ لزيادةِ فوائد السّماح بتعاطيهِ مع التّقنين لتقليلِ المخاطر.

يُمكنُ للحكومةِ تشغيل متاجر الحشيشِ بدلًا من تركها للشّركاتِ الخاصّة والأفرادِ. يُمكنُ أن تمنعَ الحكومةُ الأشخاصَ الّذينَ يبيعونك الحشيش من بيعهِ كعلاجٍ طبيٍّ، فهم ليسوا دكاترة، أي لا يُمكنك أن تُخبرهُ أنّ لديك ألمًا ما وتطلب منهُ تحديد نوع الحشيش المُناسب لك.

منَ المُحتمل أن تُساعدَ الضّرائب على مُنتجاتِ الحشيش القانونيّة في الحدِّ من الاستهلاك بين أثقل المُستخدمين.
مثل هذه السّياسات من شأنها أن تُساعدَ في التّخلّصِ من النّفقاتِ الماليّةِ والبشريةِ لحظرهِ.
يُمكن أن يُساعدوا في التّحقّق من أنّ اضطراباتِ تعاطي الحشيش لا تُصبح مُشكلة أكبر في المُستقبل.

# الحشيش وتقنينه By محمود قحطان،

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!