بين راحتين من ورق

ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والقيادة A Higher Loyalty

ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والقيادة A Higher Loyalty

حظيت المذكّرات السّابقة لمُدير مكتب التّحقيقات الفدرالي FBI جيمس كومي James Comey الّتي ضربتِ الرّئيسَ دونالد ترامب Donald Trump بتغطيةٍ إعلاميّةٍ مُكثّفة، وبردود فعلِ الرّئيس ترامب الشّديدة إزائها.
انضمّ جيمس كومي إلى جوقةِ النّقّاد الّذين يقولون إنّ ترامب ليس مُناسبًا للرّئاسة. في هذه المذكّرات يبذلُ جيمس جهدًا ليصف نفسه بأنّهُ غير حزبيٍّ بل طالبًا للحقيقةِ، ومُحايدًا.

يتبنّى الجمهوريّ الّذي خدمَ في مناصب عليا في ظلّ الرّئيس جورج دبليو بوش George W. Bush، وباراك أوباما Barack Obama، وترامب، الحاجةَ إلى الموظّفين العموميّين لفحصِ تحيّزاتهم السّياسيّة. لقد أغضبَ كلا الحزبين في السّنواتِ الأخيرة. أوّلًا: بإسقاط قنبلةٍ -في اللّحظةِ الأخيرةِ- عن هيلاري كلينتون Hillary Clinton، وأخيرًا: بدعوةِ ترامب بالتّضليل وعدم الأمانة. يُقدّم كومي حُجّةً مُقنعةً بأنّهُ لم يبحثْ عن اهتمامٍ عندما أعلنَ عن إعادةِ فتحِ تحقيقٍ جديدٍ حول مُمارسات البريد الإلكتروني الّتي اتّبعتها كلينتون.

يرسمُ بهدوءٍ قصّة حياتهِ ونظريّاتهِ عن قيادةٍ مُتواضعة وبيروقراطيّة مُحايدة. كثيرٌ من كتابِ كومي لا علاقة له بالرّئيس ترامب. فهو يصفُ -بالتّفصيل- ويذكرُ أنّ السّطو المُسلّح على منزلهِ عندما كان مُراهقًا ألهمَ حياته المِهنيّة في تطبيق القانون. يُقدّمُ وصفًا لتفاعلاته مع بوش وأوباما؛ وفي حين يبدو أنّ سياستهُ الشّخصيّة تتطابق مع (أيديولوجيا) بوش، يُوضّح كومي أنّه وجد أوباما قائدًا أكثر تفكيرًا ودقّة من بوش. في رأي كومي، بدا بوش مُتردّدًا في البحثِ عن مرؤوسين يتحدّونَ آراءه. كلاهما نموذجٌ للنّزاهةِ مُقابلةً بترامب.

مقالات ذات صلة

بسببِ الهجوم على ترامب؛ قفزَ الكتابُ ليحتلّ قوائم الكتب الأكثر مبيعًا. هاجمَ ترامبُ كومي ووصفهُ بأنّه شخصٌ مُقرفٌ ومُثيرٌ للاشمئزاز slimeball. أمّا كومي فيصف نفسه بأنّه ناقدٌ للذّات ويتميّز بالاستقرار والثّبات، وأنّه ليس سوى لاعبٍ نادرٍ في واشنطن يرغبُ في رؤيةِ الخير والشّرّ في أولئك الّذي يصطفّون على جانبي الممر.

يعرضُ كومي هذ الدّروس والأفكار:

  1. ترامب كاذب.

بطرائق مُهمّةٍ وغير مُهمّةٍ، يُثبتُ الرّئيسُ دونالد ترامب أنّهُ غيرُ راغبٍ أو غير قادرٍ على قولِ الحقيقةِ. لقد أظهر ترامب هذا الخلل في الشّخصيّة بعد وقتٍ قصيرٍ من تنصيبه، عندما أصرّ على أنّ حشوده من المُتفرّجين فاق عددًا جمهور أوباما.  في هذه المسألة، كتب كومي، الاختلافات الصّادقة في الرّأي أو التّفسير لم تكن تنافسيّة، كذب ترامب. كان كومي غير واثقٍ من الرّئيس الجديد بعد اجتماعاتهما معًا. كتبَ مُذكّراتٍ تصفُ مُناقشاتهم. لم يشعرْ كومي بالحاجةِ إلى توثيق تفاعلاته مع بوش أو أوباما بمثل هذه التّفاصيل. وجدَ كلا الرّجلين جديرين بالثّقةِ أكثر من ترامب. بسبب حديثه المُتواصل مع نفسه، يُوْجِد ترامب -وفقًا لكومي- «شرنقة من واقعٍ بديل a cocoon of alternative reality».

  1. تتطلّبُ القيادة التّواضع.

يقولُ كومي إنّ القادةَ الفاعلين مُتواضعون. هم لا يفترضون أنّ لديهم جميع الإجابات، وهم يُرحبّون بالآراء المُعارضة. الزّعيمُ المُتواضعُ مُنفتحٌ إزاء مزيدٍ من الاحتمالاتِ العظيمة. يجعلُ التّواضع القائد يطرح السّؤال الآتي: «ما الّذي أفتقده؟». كان لدى أوباما ينبوع عميق من التّواضع -كما يقول كامي- إلى جانب الثّقة بالنّفسِ في البحثِ عن أولئك الّذين اختلفوا معه. سيحثّك أوباما على قولِ رأيك وسيُنصتُ باهتمامٍ. من ناحيةٍ أُخرى، لا يُظهرُ ترامب أيّ شيءٍ يقتربُ من التّواضع. في أثناء مُحادثات كومي مع ترامب، تحدّث الرّئيس من دون توقّفٍ تقريبًا، مُستبعدًا أيّ فرصةٍ لتقديم أفكارٍ مُخلصةٍ أو تبادل آراء. في الحالةِ الوحيدةِ الّتي تحدّى فيها كومي ترامبَ -في إشارة إلى الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين Vladimir Putin– ردّ ترامب بإنهاء اجتماعه فجأة.
على عكس أوباما وبوش، الّذي حاول أن يُريح زوّار المكتب البيضاوي بوساطة الجلوس على كرسيٍّ بذراعين، يُصرُّ ترامب على الجلوس خلف مكتبهِ الكبير.

  1. يجبُ أن تبقى FIB مُحايدة سياسيًّا.

في الأيّام السّيئة القديمة من مكتبِ التّحقيقاتِ الفيدراليّ، دعا ج. إدغار هوفر J. Edgar Hoover إلى التّلاعب بالأعداء. في عهده -عدّه كومي سوء حظ- طارد مكتبُ التّحقيقاتِ الفيدراليّ الدّكتور مارتن لوثر كينغ جونيور Dr. Martin Luther King Jr. عند هذه النّقطة، كتب مكتب التّحقيقات الفيدرالي رسالةً لابتزاز كينغ، وحثّ زعيم الحقوق المدنيّة على قتل نفسه! في العقود الأخيرة؛ ومع ذلك، كان مكتبُ التّحقيقاتِ الفيدرالّي مُحايدًا. بعد أنْ عيّن الرّئيس بيل كلينتون Bill Clinton لويس فريه Louis Freeh مديرًا للمكتب، أثار فريه استياء كلينتون من طريق الضّغط من أجل التّحقيق في انتهاكات إدارة كلينتون المزعومة. هذا بالضّبط هو نوعُ الاستقلاليّة الّتي يجبُ على مكتب التّحقيقات الفيدرالي أن يسعى إلى مُمارستها، كما يقول كومي. يَظنُّ أنّ مكتب التّحقيقات الفيدرالي يجبُ ألّا ينحاز إلى أيّ جانبٍ أبدًا. يقول كومي إنّه حاول دون جدوى نقل هذ الرّسالة إلى ترامب. في أثناء حفل عشاءٍ خاصٍّ في البيت الأبيض، كتب كومي أنّ ترامب قال له: «أنا بحاجةٍ إلى ولاء. أتوقّعُ ولاء». استمرّت الدّعوات من أجل الولاء في الأسابيع المُقبلة، إلى جانب طلب ترامب أن يُنهي مكتب التّحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل تحقيقاتهما في تواطؤ ترامب المُحتمل مع روسيا.

  1. البقاء على الحيادِ يعني صراعات صعبة مع الرّئيس.

بعد انتخابات ترامب المُفاجئة، ألقتْ هيلاري كلينتون وعددٌ من الدّيمقراطيّين اللّوم على كومي لإسقاط القنبلة الّتي أثّرت في النّتائج. رحّب الجمهوريّون بكومي وعدّوه بطلًا ساعدَ على الحصول على رجلهم في المكتب البيضاويّ. في الأقلّ في الأيّام الأولى من فترة ترامب، نظر الرّئيسُ إلى كومي كحليفٍ. في يناير 2017، دعا ترامبُ كومي ومسؤولي إنقاذ القانون الآخرين إلى حفلِ استقبالٍ بعد ظهر يوم الأحد. حضر كومي على مضضٍ، على أمل ألّا يُنظَرُ إليهِ بعدّه داعمًا سياسيًّا ومُناصرًا للرّئيس الجديد الّذي يُواجه تحديّات. مع دوران الكاميرات الإخباريّة، حاول كومي أن يظلّ غير بارزٍ كرجلٍ يبلغُ طوله ستّة أقدام وثمان بوصات! مع ذلك، رصد ترامبُ كومي واستدعاه إلى الأمام. في أثناء مُصافحتهم، حاول ترامب أن يسحب الرّجل الأطول ليُعانقه. مشهدٌ لم يكن يرجوه كومي. بسبب نظام كوم الرّياضي الّذي أدّى إلى تقوية عضلاته ومُقاومته، يظنّ كومي أنّ ترامب لم يكن قويًّا بما يكفي لسحبه، وبالفعل، لم يكن ترامب كذلك. منع كومي العناق؛ ولكن ترامب همس في أذنه في خطوةٍ يُمكن أن يُفسّرها مُشاهدو التّلفاز كقبلةٍ. يُجادلُ كومي بأنّ فكرة الاستقلال كانت غريبة على ترامب وفريقه.

  1. إنّ الكشفَ عن فتحِ التّحقيق في رسائل كلينتون كان هو الشّيءُ الصّحيحُ الّذي ينبغي عمله.

في أثناء صيف 2016 أغلق كومي رسميًّا التّحقيق في مُمارسات هاري كلينتون لقراءة رسائل البريد الإلكتروني السّريّة على الخادمِ الشّخصيّ personal server. بعد التّدقيق المُكثّف في رسائل البريد الإلكتروني، استنتج كومي أنّ كلينتون قد تصرّفت بلا مُبالاة؛ ولكنّها لم تفعلْ شيئًا غير قانوني، وهو قرارٌ أعلنهُ علنًا. في أكتوبر 2016، اكتشفَ مكتبُ التّحقيقاتِ الفدراليِ مُصادفةً مئات الآلاف من رسائل البريدِ الإلكترونيّ الجديدة الّتي لم يستطع الوصول إليها سابقًا. في 27 أكتوبر، بعد أيّام الانتخابات، طلبتْ وزارةُ العدلِ إصدار مُذكّرة تفتيش warrant لمُراجعة رسائل بريد كلينتون الإلكترونيّة. وضع هذا التّطوّر الجديد كومي وFBI في مكانٍ صعب؛ لأنّ كومي قال للنّاخبين -في وقتٍ سابقٍ- إنّ كلينتون لن تُوجّه إليها تُهمة جنائيّة؛ ما يضع أساسًا لقضيّةٍ قابلة للانفجار السّياسيّ. الآن، على كومي أن يُقرّر ما إذا كان يجبُ أن يبقى صامتًا أو أنْ يكشفَ عن معلوماتٍ جديدة. لقد فكّر في خياراته فوجدَ أنّها تقع في فئتين: “تكلّم Speak” أو “أخفي Conceal”. يعني الكلامُ أن تكون واضحًا تمامًا، ويعني الإخفاء أن تظلّ هادئًا والمُخاطرة بأن تحصل كلينتون على مكتبٍ تحت السّحاب! أي: لا يعد يثقُ بها أحد بسبب اقتناعهم أنّها فعلت شيئًا سيئًّا. توقّع كومي أنْ تفوزَ كلينتون بغضّ النّظر عن الإجراء الّذي اتّخذهُ. لم يكُن يتوقّع أنّ إعلانه في 28 أكتوبر الّذي يُعلن فيه أنّ مكتب التّحقيقات الفيدرالي قد أعادَ فتح تحقيقه سيُغيّر مسار التّاريخ. في وقتٍ لاحق، اتّهمَ عددٌ من الدّيمقراطيّين كومي بتحويلِ نتائج الانتخابات.

  1. يجبُ على الحكومةِ مُحاسبة الكاذبين.

كان كومي مُحاميًّا أمريكيًّا عندما اكتشف المُحقّقون الفيدراليّون أنّ مارثا ستيوارت Martha Stewart رُبّما استفادت من التّداول الدّاخليّ لأسهم شركة إم كلون ImClone، وهي شركة للتّكنولوجيا الحيويّة. للوهلةِ الأُولى، بدا من غير المُحتمل أن تشترك ستيوارت في تجارةٍ غير قانونيّةٍ. كانت تستحقّ مئات الملايين من الدّولاراتِ وكان ربحها من بيعِ الأسهم في الوقتِ المُناسب هو ($50,000). لم يكن تفسير ستيوارت جيّدًا حين أخبرت المُحقّقين أنّ التّوقيت المُناسب كان مُصادفةً. نظروا عن كثبٍ إلى الملحوظاتِ المكتوبةِ بخطّ اليد لدعم قضيّة ستيوارت ووجدوا أنّها مكتوبة بعلامات تجاريّة مُختلفة من الحبر. روى كومي أنّهُ كان مُتردّدًا في السّعي إلى إعاقةِ العدالة في توجيه تُهمة إلى ستيوارت؛ نظرًا لمبالغ الرّهان الضّئيلة والسّيرك (الجنون) الإعلامي الّذي كان سيترتّب على ذلك لو أنّه اتّهم أحد المشاهير بحجمها في جريمة. لكن كومي فكّر في الأشخاص العاديّين الأمريكيّين الّذين لم يكونوا من المشاهير ولم يكونوا أثرياء – الّذين كذبوا على الشّرطة وعُوقبوا على ذلك. قرّر كومي أنّه بحاجةٍ إلى توجيه اتّهامات بحقّ ستيوارت لإثبات هذه النّقطة: يجبُ على الجميع أن يقول الحقيقة عندما يستدعيه مكتبُ التّحقيقات الفيدراليّ. إذا لم يفعلوا ذلك، يجبُ عليهم مُواجهة العواقب. اتّهم النّقّادُ كومي بمُحاولة جذب الرّأي العام ونيل إعجاب الجمهور؛ ولكنّه يدعمُ قرار اتّهام مارثا ستيوارت، وعددًا من القراراتِ الأُخرى أيضًا.

عنِ المؤلّف:

جيمس كومي، مدير مكتب التّحقيقات الفيدراليّ من 2013 إلى 2017. شغل منصب المحامي الأمريكيّ في المقاطعة الجنوبيّة من نيويورك، وكان نائب المدّعي العام في عهد الرّئيس جورج بوش.

# ولاء أكبر: الحقيقة والأكاذيب والقيادة A Higher Loyalty بوساطة: محمود قحطان،

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!