بلاغة

علم البديع: المحسنات اللفظية

علم البديع: المحسنات اللفظية

مّا كان علم البديع يرمي إلى تعليم وجوه تحسين الكلام فقد قسّمهُ البلاغيّون إلى قسمين سمّوهما: المحسنات المعنوية، والمحسنات اللفظية.
المحسّنات المعنويّة كثيرةٌ منها: التّورية، والطّباق، والمُقابلة، وحُسن التّعليل، مُراعاة النّظير، والإرصاد، والطّي والنّشر، والجمع، والتّفريق، والمُبالغة، وتأكيد المدح بما يُشبه الذّم، وتأكيد الذّم بما يُشبه المدح، والأسلوب الحكيم.
المحسنات اللفظية كثيرةٌ منها: الجناسُ، والسّجعُ، والاقتباس، المُوازنة، والتّرصيع، والتّصريع، وردّ العجزِ على الصّدر، وما لا يستحيل بالانعكاس، والاقتباس والتّضمين. المحسنات اللفظية، وهي التي يكون التّحسين بها راجعًا إلى اللّفظ.

الجناس

هو تشابهُ لفظين نطقًا واختلافهما في المعنى. أنواعهُ سبعة، وهي: التّام، وغير التّام، والمُطلق، والمُشتق، واللّفظي، والمُركّب، والمُلفَّق.
التّام: ما اتّفق فيه اللّفظان في أربعة أمورٍ، وهي:

  1. نوعُ الحروفِ.
  2. هيئةُ الحروفِ.
  3. عددُ الحروفِ.
  4. ترتيبُ الحروفِ.

نحو قول الشّاعر أبو الفتحِ البُستي:

نَاظِرَاهُ فِيمَا جَنَى نَاظِرَاهُ  
أَوْ دَعَانِي أَمُتْ بِمَا أَوْدعَاني

 نُلاحظُ اشتمال البيتِ في شطرهِ الأوّل على كلِمتين مُتفقتينِ في اللّفظِ مُختلفتينِ في المعنى، وهما: (نَاظِرَاهُ/نَاظِرَاهُ)، وفي شطرهِ الثّاني: (أَوْدعَاني/أَوْدعَاني). بتأمّلِ الكلمتين في الشّطر الأوّل نجدهما اتّفقتا في اللّفظِ واختلفتا في المعنى، فناظراهُ الأُولى هي فِعْلُ أمرٍ من المُناظرةِ والمُجادلةِ، وناظراهُ الثّانية هُما العينانِ. أمّا (أو دَعَانِي) الأولى فهي مُركّبة من (أو) وهي حرفُ عطفٍ، ومن فِعْلِ أمرٍ هو (دَعَاني)، أي: اترُكاني. أمّا (أودَعَاني) الثّانية فهي من الوَديعة. الكلمتانُ في الشّطرين اتّفقتا اتّفاقًا تامًّا في نوعِ الحروف، وشكلها، وعددِها، وترتيبها.

غير التّام: وهو ما اختلفَ فيهِ اللّفظان في نوعِ الحروفِ، أو هيئتها، أو عددها، أو ترتيبها. نحو ما قاله أبو فراس الحمداني:

مِن بَحرِ شِعرِكَ أَغتَرِف
وَبِفَضلِ عِلمِكَ أَعتَرِف

اشتمل البيتُ على كلمتين مُتجانستين، وهما (أَغتَرِف/أَعتَرِف)؛ ولكنّهما لم يتّفقا اتّفاقًا تامًّا في اللّفظِ.

السّجع

هو توافق الفاصلتين في الحرفِ الأخيرِ من النّثر، وأحسنهُ ما تساوت فِقَرهُ، ثمّ ما طالت فقرته الثّانية، ثمّ ما طالَ ثالثه، وأفضلهُ ما جاء عفو الخاطر طبيعيًّا من غيرِ إسرافٍ ولا تكلّفٍ.
نحو: الحُرُّ إذا وَعَدَ وَفَى، وإذا أَعانَ كَفَى، وإذا مَلَكَ عَفَا. نُلاحظ أنّ الجُملة مكوّنة من ثلاثِ فِقَرٍ مُتوافقة في الحرفِ الأخير: (وَفَى/كَفَى/عَفَا). تُسمّى الكلمةُ الأخيرةُ من كلِّ فِقْرةٍ فاصلة، ونُلاحظُ أنّها ساكنةٌ في حالةِ الوقفِ دائمًا.

المُوازنة

هي تَساوي الفاصلتينِ في الوزنِ من دونِ التّقفية، نحو: {وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ (15) وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (16)}.

التّرصيع

هو توازن الألفاظِ مع توافقِ الأعجاز، نحو:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)}.

التّصريع

هو جعل قافيةِ عروضِ البيتِ الأوّل من القصيدةِ مُقفّاة تقفية الضّربِ من البيتِ نفسه، نحو:

قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزلِ 
بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ

ردُّ العجزِ على الصّدرِ

هو أن يُؤتى بكلمةٍ في صدرِ البيتِ من الشِّعر أو النّثر، ثُمّ تُعادُ في آخر البيتِ أو الفِقرة، نحو:

دَعَانِي مِنْ مَلَامِكُمَا سِفَاها
فَدَاعِي الشَّوْقِ قَلْبَكُمَا دَعَانِي

ما لا يستحيل بالانعكاس

هو ذكرُ اللّفظِ يُقرأ طردًا وعكسًا، أي: من اليمين إلى اليسار وبالعكس من اليسار إلى اليمين .
نحو:
دُوَلٌ لهُمْ قَامَتْ فَمَا ظُلِمُوا عَدَلُوا فَمَا زَلَّتْ لهُمْ قَدَمُ.
ويقرأ بالعكس: قَدَمُ لهُمْ زَلَّتْ فَمَا عَدَلُوا ظُلِمُوا فَمَا قَامَتْ لهُمْ دُوَلٌ.

الاقتباس والتّضمين

هو أن يُدخِلَ الشّاعرُ أو النّاثرُ في كلامهِ شيئًا من القرآنِ الكريمِ أو الحديثِ الشّريفِ، على وجهٍ لا يُشْعِرُ بأنّهُ منه. أمّا التّضمين: هو ما يُدخلُهُ الشّاعرُ في نَظْمهِ من شِعْرِ غيرِهِ.
مثال عن الاقتباس، قول ابن الرّومي:

لَئِنْ أَخْطَأْتُ فِي مَدْحِكَ
مَا أَخْطَأْتَ فِي مَنْعِي
لَقَدْ أَنْزَلْتُ حَاجَاتِي
«بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ»

نجدُ الشّطر الأخير من البيتِ الثّاني مأخوذٌ من قولهِ تعالى: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}. نقلَ الشّاعرُ المعنى من وادٍ لا ماءَ فيهِ ولا نبَاتَ إلى رجلٍ لا خيرَ فيه ولا نفعَ.
مثالٌ عن التّضمين قول الشّاعر الحريري:

على أَنِّي سَأُنْشِدُ عِنْدَ بَيْعي
«أضَاعُونِي وَأَيَّ فَتىً أضَاعُوا»

المصراعُ الأخير للعَرْجي، وأصلهُ:

أضَاعُونِي وَأَيَّ فَتىً أضَاعُوا
لِيَوْمِ كَريهةٍ وسِدادِ ثَغرِ

# علم البديع: المحسنات اللفظية By محمود قحطان،

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!