بلاغة

علم البديع: المحسنات المعنوية

علم البديع: المحسنات المعنوية

لمّا كان علم البديع يرمي إلى تعليم وجوه تحسين الكلام فقد قسّمهُ البلاغيّون إلى قسمين سمّوهما: المحسنات المعنوية، والمحسنات اللفظية.
المحسّنات المعنويّة كثيرةٌ منها: التّورية، والطّباق، والمُقابلة، وحُسن التّعليل، مُراعاة النّظير، والإرصاد، والطّي والنّشر، والجمع، والتّفريق، والمُبالغة، وتأكيد المدح بما يُشبه الذّم، وتأكيد الذّم بما يُشبه المدح، والأسلوب الحكيم.
المُحسّنات اللّفظيّة كثيرةٌ منها: الجناسُ، والسّجعُ، والاقتباس، المُوازنة، والتّرصيع، والتّصريع، وردّ العجزِ على الصّدر، وما لا يستحيل بالانعكاس.

موضوع مُميّز: تعريف علم البديع

المحسنات المعنوية

التّورية

هي أن يُذكرَ لفظٌ لهُ معنيان: أحدهما قريبٌ وظاهرٌ غير مقصود، والآخر بعيدٌ مقصود. نحو:

مقالات ذات صلة

الطّيرُ تقرأُ والغَديرُ صَحيفةٌ
والرِّيحُ تكتُبُ والسَّحابُ يُنَقِّطُ

لكلمة يُنَقِّطُ معنيان: الأوّل هو أنّ السّحاب يُمطر، أي تساقط قطراتِ الماء وهو غير المقصود (المعنى القريب) لأنّه مُتبادرٌ إلى الذّهن بسبب التّمهيد لهُ بكلمة «الغدير»، والثّاني هو وضعُ النّقطِ على الحروفِ وهو المقصود (المعنى البعيد).

الطّباق

هو الجمعُ بين اللّفظِ وضدّه في المعنى في الأسماء، والأفعال، والحروف، في الشِّعْرِ وفي النّثرِ، وهو نوعان:

  1. إيجابي: وهو ما لم يختلف فيه الضّدان سلبًا وإيجابًا، نحو: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ}. هذا طباق إيجاب لأنّه بين الكلمةِ وضدّها.
  2. سلبي: وهو ما اختلفَ فيه الضّدّانِ سلبًا وإيجابًا، نحو: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ}. هذا طباق سلب لأنّهُ جمعَ بين فِعلين أحدهما مُثبَتٌ والآخر منفي.

المُقابلة

هي أن يُؤتى بمعنيين أو أكثر في الكلام، ثُمّ يُؤتى بما يُقابل ذلك مع مراعاةِ التّرتيب، نحو: {إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}. نُلاحظُ أنّ المعنيينِ في الآيةِ الأُولى قد قابلهُما معنيانِ آخرانِ في الآيةِ الثّانية على التّرتيب.

حسنُ التّعليل

هو أن يدّعي الشَّاعرُ أو النّاثرُ صراحةً أو ضمنًا عِلّةً غيرَ العِلّةِ الحقيقيّةِ، على سبيلِ الاستظرافِ والتّمليحِ، تُناسبُ ما يَقْصِدُ إليه. نحو:

ما زُلْزِلَتْ مِصْرُ مِنْ كَيْدٍ أَلَمَّ بها
لكِنّها رَقَصَتْ مِنْ عَدْلِكم طَرَبا

عبّرَ الشَّاعرُ حفني ناصف في مدحِ الخديوي توفيق بعد حادثةِ زلزالٍ ألمّ بمصر بأنّ ما حدثَ أنّ الأرضَ رقصَت طربًا وسرورًا من عدلِ الخديوي؛ إذًا هو عبّرَ بعِلّةٍ (سببٍ) غير عِلّةِ الزّلزالِ الحقيقيّة.

مُراعاةُ النّظير

هو الجمعُ بين أمرين مُتناسبين في المعنى، بأن يُكمِلُ الثّاني ما بدأهُ الأوّل، نحو: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ}. ما يُناسبُ الأمرين (البيع والشِّراء) هو الرِّبحُ والتّجارة.

الإرصادُ

هو أن يأتي في الكلامِ لفظٌ قبل الفاصلةِ من النّثرِ أو العَروضِ من الشِّعرِ يدلُّ على ما سيأتي بعده، نحو: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ؛ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.

الطّيُّ والنّشر

هو أن يذكرَ مُتعدّد ثمّ يذكر متعلّقات كلّ واحدٍ منه، نحو: {وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ}. ذكرَ مُتعدّد (اللّيل والنّهار) ثمّ ذكرَ مُتعلّق كلّ واحدٍ منه (السّكن فيه والابتغاء من فضله).

الجمع

هو أن يجمعَ المُتكلّم بين مُتعدّدٍ تحت حكمٍ واحدٍ، نحو: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}.

التّفريق

هو أن يُفرِّقَ بين أمرين من نوعٍ واحدٍ في اختلافِ حكمهما، نحو: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ}.

المُبالغة

هي أن يُوصل بالمعاني إلى حدِّ المُستحيل، أو مُستبعد، ولها ثلاث درجات، هي:

  1. التّبليغ: ما كان الادّعاء فيهِ صعب الوقوعِ لقلّتهِ ممكنًا في العقلِ والعادةِ، نحو: مشيتُ من القاهرةِ إلى الإسكندريّة.
  2. الإغراق: ما كانَ الادّعاءُ فيه مُمكنًا عقلًا لا عادةً، نحو: أَتَــوكَ يَجُــرُّونَ الحَــدِيدَ كأنّمــا/ سَــرَوْا بِجِيــادٍ مــا لَهُـنَّ قَـوائِمُ. يُمكن للجيادِ حمل هذا الوزن عقلًا؛ ولكن العادة لم تجرِ بذلك في الحروب.
  3. الغلوّ: ما كان الادّعاءُ فيه غير ممكنٍ في العقلِ والعادةِ، نحو: إذا بَلغَ الفِطامَ لنا رَضيعٌ/ تَخِرُّ لهُ الجبَابرُ ساجدينا.

تأكيدُ المدحِ بما يُشبهُ الذّم

هو استثناءُ صفة مدحٍ من صفةِ ذمٍّ منفيّةٍ أو إثباتُ صفة مدحٍ ثُمّ يُؤتى بعدها بأداةِ استثناءٍ تليها صفة مَدْحٍ أُخرى، نحو:

لا عَيْبَ فيهمْ سِوَى أَنَّ النَّزِيلَ بهمْ
يَسلو عنِ الأَهْلِ والأَوْطانِ والحشَمِ

نفى الشّاعرُ العيبَ عن ممدوحيهِ ثمّ استخدم أداة الاستثناء (سوى) الّتي تُوهمُ السّامعَ أنّ الشّاعرَ سيذكرُ عيبًا بعدها إلّا أنّ الشّاعرَ ذكرَ صفةَ مدحٍ أُخرى، أي أنّهُ استثنى صفةَ مدحٍ من صفةِ ذمٍّ منفيّة.

تأكيدُ الذّمِّ بما يُشبهُ المدح

هو استثناءُ صفة ذمٍّ من صفةِ مدحٍ منفيّةٍ أو استثناء صفة ذمٍّ إلى جانب صفة ذمٍّ أُخرى، نحو:
فلانٌ لا خيرَ فيهِ غيرَ أنّهُ جبانٌ. أثبتنا صفة الذّمِّ ثمّ استخدمنا أداة استثناء تليها صفةُ ذمٍّ أُخرى.

الأسلوب الحكيم

هو حملُ المُتكلّمِ على غير ما يُريدُ تنبيهًا على أنّهُ الأولى بالقصدِ، أو ترك الإجابةِ عن السّؤالِ والإجابةِ عن آخر إشارةً إلى أنّهُ أولى بالأخذ، نحو:
سُئلَ رجلٌ: ماذا ادّخرتَ من المالِ؟ فقال: أنعمُ بصحّةٍ وعافية.
تركَ الرّجلُ الجوابَ عنِ المالِ، وصَرَفَ سائلهُ بلطفٍ عن السّؤالِ عن مالهِ، وأخبرهُ أنّهُ يتمتّعُ بصحّةٍ وعافية، تنبيهًا لهُ إلى أنّ السّؤالَ عن الصّحةِ أولى بالأخذِ والقصدِ من السّؤالِ عنِ المالِ.

# علم البديع: المحسنات المعنوية By محمود قحطان،

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!