عيد شهيد
عيد شهيد
ليس هناك عيدٌ إلّا ويحملُ فرحهُ معه، إلّا هذا العيد! فكلّ ما فيه ليلٌ يلبسُ أحزانهُ، ويُدَخِّنُ في اليوم صورًا فوتوغرافيَّةً رديئةَ الإضاءةِ، وضيّقةَ الرّؤيةِ عن أهلنا الّذين يحترقونَ كأفلامِ التّصويرِ الفَاسدة.
كيف نكون سُعداء والعائلةُ العربيّةُ يغشاها جوٌّ رماديٌّ بائسٌ، ومَحشوَّة بكبرياءٍ زائفٍ ومُباهاةٍ مُفتعلةٍ، والنُّعرَةِ الطّائفيّةِ، وغرورٍ قديمٍ يحملُ كثيرًا من الطّيشِ والرّعونةِ والغباء؟
فلسطينُ هي: وجهنا الآخر، انتماؤنا الثّقافي والتّاريخي المُبعثر قبل قرون. هي موجودةٌ في كلّ تفاصيلِ حياتِنا، وإزاء هذا الاحتلالِ القوميّ لا نملكُ إلّا أنْ نتساءلَ: كيفَ انطفأ وجهنا الآخر؟ كيفَ أفلسَ وانتحرْ؟ لماذا انكسرَ زُجاجهُ الملوّن في داخلنا؟ من المسؤول عن هذا التّساقطِ والتّناثرِ والتّبعثرِ والتّشتّتِ والتّشرذمِ والانهيار؟
عندما كانت فلسطينُ عظيمةً، كُنّا عُظماء، وعندما صارت كفاكهةٍ حامضةٍ؛ عانينا نفادَ مخزوننا الحضاريّ، وضعف سائلنا المنوي، فصرنا عَقَائِم من دونِ نسب.
كلّنا نُولد كفلسطينيّين، نتوهّجُ إنْ أعرسَت، وننحسِرُ إذا صُودرَت أنفاسها وكُسِرت مفاصلها. لذلك فإنّ وجودها في حياتنا يُعادلُ -من حيثُ الأهميّة- احتفاء السّماء بالمطرِ، والأرض بالبشرِ، وسعادة الأبوين بمولودهما الأوّل.
ليس من طموحاتِ العيدِ أنْ يَحضرَ من دون عينيهِ، من دون وجههِ القمريّ، أو أن يُقيمَ في فنادقَ نصفُها قالب زُبدةٍ ونصفها الآخر طحين! وليس من هواياته أن يأتي حاملًا قِرَبَ الدّماءِ، أو أن يُعبّئ الدّخانَ الأسودَ في قناني مطليَّة بالذّهبِ ليُوهمنا أنّها فطائرُ عسل! وليس من أخلاقهِ أن يدورَ حولَ الغلاف الخارجي لهُويّتنا ويصطادنا بخيوطِ العنفِ والقسوةِ، يوغلُ طعنتهُ في مُحيطنا الزّلزالي، ويُلقي الدّيناميت فوق رؤوسنا ليُقدّمَ لنا شهادةً مُزوّرةً عن عدم أحقيّتنا في الحياة!
هذا عيدُ الشّهيد، عيد الّذين يمزجونَ جلودهم البيضاءَ وعواطفَهم بِحِرَبِ الحُريّةِ. ينظرونَ في المرآةِ فيرونَ ماردًا قويًّا لا يهدأ حتّى يهدِمَ الإيقاعَ التّمثيليّ الرّاقصَ والمُفتعَل. يدخلون مُختبرَ الإصلاحِ وينشدونَ أن تتحوّل ثورتَهم إلى سهمٍ ناريٍّ يضربُ بقوَّةٍ وينثرُ عرقَ الصّبرِ وريشهِ على وسادةٍ في الجنّة.
ما العيدُ من دونها؟ غير آمالٍ مكسورةٍ في واقعٍ دنيء. يركضُ تحتَ الفوضى الّتي تُظلّلهُ في مُحاولةٍ لقلبِ النّظام البشري السّخيف؛ إلّا أنّه مهما حاول أن يكون عادلًا، فلا بدّ من إراقةِ الدّماء.
هذا العيد عيدٌ أحمر، وقصيدةٌ حمراء، وأجسادٌ حُمْر، والعالمُ العربي يسبحُ في تيّار اللّامبالاةِ، ويدرسُ كيمياء الخوفِ، ويذبحُ نفسهُ على مقاهي الثّقافةِ والشّعوذةِ وضرب الودعِ، ولا يرى غير مساحةٍ صغيرةٍ وغامضةٍ من ذَنَب العار.
أيُّها العيدُ صدّقني، إنّني كلّما أردتُ أن أُحلّقَ عاليًّا كطائرٍ أسطوريٍّ؛ دُختُ وهَويتُ إلى الأسفلِ كاسرًا عمودي الفقري. كلّما حاولتُ أنْ أُلقّحَ الحياة وأخبئُ بيضها بين شقوقِ الصّخرِ؛ يُسرَقُ البيض. كلّما فكّرتُ ثَقبَ الصّحراءِ لأعيد تخطيطَ قلبها؛ تشتعلُ الغابات وتحترقُ الأشجار ويموت الطّير.
عيد شهيد، ولا قيمة للعيد من دون شهيدٍ جديدٍ يُحدِثُ ارتجاجًا في أدمغتنا، ويُدفَنُ في عصر التّناقضِ والقناعاتِ المُعلّبةِ؛ ليكون هذا العيد مُختلِفًا بهداياه، ومُشاغبًا كشيطانٍ صغيرٍ أرادَ أن يسبقَ أباهُ الّذي (ضحّى) بهِ بعدَ قليلٍ، ووضعهُ أسفلَ حاشيتهِ كساعةٍ فوسفوريَّة لا تعترف بالزّمن!
عيد شهيد، وكلّ عامٍ وأنتم و –فلسطين- بخير.
في الجزءِ الآخر من قلبي العربي المحتلْ
يتزايدُ أبناء القردةْ!
والخنزير العربي، تتزايد رغبتهِ في رفعِ عقيرتهِ بنشيدِ الموتْ
وممارسة العاداتِ السريَّة!
غزَّة تعصف ظهرًا
والقتلُ يزيدُ على ألفينْ
وتحَاصرُ غزَّة بحرًا
لا شيءَ يُعيدُ الإثنينْ!
أمَّا الوجهُ العربي الآخرْ
يرقصُ تلكَ الليلةَ – من نشوتهِ – طربًا
وأصابعُ كفِّ العازفِ تعزفُ لا تلعبْ بالناَّر
وكؤوسٌ تتناطحُ ، تنضَّحُ خمرًا
والأوراقُ الخضراء المشبوهة تُنثرُ نثرًا
وصدورٌ تهتزْ..
وجيوبٌ تُبتزُّ لتدفعَ قيمةَ قارورةَ ويسكي أضعافًا
وتحاصرُني صورٌ منسيَّةْ
وجباهٌ محنيَّةْ
وسناءٌ، اسمعُ صوتَ سناءٍ تضحكْ
التفُّ يميناً ويساراً خلفاً فأمامًا
تتبسَّمُ من أعلى
وتشيرُ يميني قائلةً، هاكَ الأمل المفقودْ!
أخبرني، هل صلّيتَ صلاة الشّهيد؟
# عيد شهيد By محمود قحطان
مقال رائع واسلوب مبدع
ما شاء الله عليك
شكرًا لك.
ان شاء الله فلسطين حرة الابد
إن شاء الله.
والله معاك حق يا اخي .
هاد العيد جاي حزين جداً على إخواننا المسلمين .
مع أني عايش بالنرويج ولاكن أصدقائي المسلميين ما في بعيونهم فرحة و كان العيد لم يكن .
و لما بشوف وضع المسيحيين في شمال العراق أيضاً بحزن.
انشاء الله السنة الجاي بيكون وضع الناس أحسن و بتنزاح عنا هالغيمة و منشوف وطن اجمل و عيد اجمل .
ينعاد عليك بالخير و على أهنأ بالوطن العربي بالخير .
عندما يحزن أحدنا، نحزن معه؛ لذلك سندعو أن يكون العيد القادم أجمل، فإن كان هذا العيد (كشيطانٍ صغير) سننتظر أباه القادم لنرى مَدى سعادته.
سلمت وسلم يراعك الذي يلهج بقول الحق والحقيقة
دمت مبدعاًوموفقاً
@ أبو زهراء،
صديقي العزيز، أكرمتني بتعليقك أيُّها الكريم.
وعيد شهيد، أقصد سعيد. 🙂
بإختصار انت رائع وكلامك جميل جدا انت راقي واسلوبك جميل
شُكرًا أخي حُسام، الرّقي هو رقي حضورك.
وكلّ عام وأنت بخير.