نشر

النشر الهجين أو المختلط هو أفضل ما في العالمين

النشر الهجين أو المختلط هو أفضل ما في العالمين

في موضوع سابق تحدّثتُ عنّ النّشر الذّاتي والنّشر التّقليدي وأيّهما المُناسب لك أكثر؛ ولكن ماذا لو أردت استخدامهما معًا؟ أحدثُ نماذج النّشر الّتي ظهرَتْ إلى العيان هو: النشر الهجين، وهو مزيجٌ من النّشرِ الذّاتي والنّشرِ التّقليديّ الّذي يمنحُ المؤلّفين والنّاشرين سلطةً واسعة.

النّشرُ المُختلطُ مرنٌ؛ في حين أنّ هناك خطواتٍ واضحةً، ومزايا وعيوب لنماذج النّشر المُنفصلة (النّشر الذّاتي والنّشر التّقليدي). يسمحُ النّشرُ المُختلط للمُؤلّفين والنّاشرين لأخذ ما يُريدون من كلّ نموذج من أجل وضع نهجٍ مُبتكرٍ ومُخصّص للنّشر، يُقدّم فوائد مُتبادلة لجميع الأطراف المعنيّة.

كيف يعملُ النّشر الهجين (المُختلط)؟

الهجين: هو أيّ شيءٍ مُشتّق من مصادر غير مُتجانسةٍ، أو تتألّفُ من عناصر مُختلفة أو غير مُتناسقة.
النّشرُ الهجين: مجموعة من أنواع النّشر المُختلفةِ في نموذجٍ واحد.
قد يصعبُ تعريف النشر الهجين نظرًا لوجود عددٍ من الاختلافات المُحتملة. من الأمان أن نقولُ إنّه ليس النّشر الذّاتي ولا النّشر التّقليدي ولكنّه مزيجٌ من الاثنين، ويُمكن تطبيق هذا النّهج ليس على مشروعٍ واحدٍ فحسب؛ ولكن على مهنةٍ كاملة.

دونك بعض أمثلة النشر الهجين:

  • يُقرّر المُؤلّف الّذي بدأ حياتهُ المهنيّة بالكتب المنشورةِ تقليديًّا أن يُجرّب النّشر الذّاتي. من هنا؛ ينشرُ المُؤلّفُ بعض الكتبِ تقليديًّا -من طريق دار نشر- وينشر كتبًا أخرى ذاتيًّا.
  • يختارُ النّاشر التّقليديّ مُؤلّفًا اعتاد نشر كتبهِ بنفسه (ذاتيًّا).
  • قد يحصلُ المُؤلّف على صفقة طبع كتاب بالنّموذج التّقليديّ؛ ولكن يستمرّ في نشر الكتبِ الإلكترونيّة الذّاتيّة؛ مع الاحتفاظ بجميع الحقوق الرّقميّة والملكيّة الفكريّة.

تُغيّر هذه النّماذج المُختلطة الجديدة وجه النّشر. إذًا، ما الفوائد؟

فوائد النشر الهجين

يستفيدُ النّاشرون من النشر الهجين لأنّه يُساعدهم على اختيار المُؤلّفين الّذي نشروا -بالفعل- بأنفسهم ولديهم جمهور. هذا استثمار مُنخفض المخاطر لدى النّاشرين؛ لأنّهم يعرفون أنّ الكتب ستُباع تلقائيًّا للجمهور الموجود والمُعجبين الحاليّين. كلّ مُؤلّف جديد هو خطر على دار النّشر؛ لأنّه ليست هناك طريقة لمعرفة أيّ الكتب ستُفجّر قائمة الكتب الأكثر مبيعًا وأيُّها سيُقصف! في ظلّ هذا النّموذج، من غيرِ المُرجّح أن يُعاني الكتَابُ أو المُؤلّفُ من مبيعاتٍ مُنخفضةٍ نظرًا لوجودِ جمهورٍ جاهزٍ، ومُستعدٍّ، وقادرٍ على الشّراء.

عندما ينشرُ المُؤلّفون بأنفسهم، فإنّهم يحصلون على نسبةٍ كبيرةٍ من العائداتِ ما داموا قد حدّدوا ثمن كتبهم وفقًا لذلك. على سبيل المثال: باستخدام أمازون كندل Amazon Kindle، إذا حدّدت سعرًا يتراوح بين (2.99) دولارًا و (9.99) دولارًا أمريكيًّا، فستكون قيمة العائدات (70%) وهذا هائل مُقابلةً بالكتاب الّذي نُشِر تقليديًّا، الّذين تصلُ عائداتهم إلى ما بين (7%-10%) للكتاب الورقي و (25%) للكتاب الإلكتروني. يُمكن للمُؤلّفين الّذين نشروا تقليديًّا الاستفادة من جمهورهم الحالي بوساطة نشر عددٍ قليلٍ من الكتبِ والاستمتاع بعائدات أكبر على عناوينهم المنشورة ذاتيًّا. إنّ نفقة الطّباعة والتّوزيع والتّخزين غير موجودةٍ في الكتبِ الإلكترونيّة؛ لذلك من المنطقيّ أن يحتفظ المُؤلّفون بنصيبٍ أكبر من العائدات.

هل النّشر الهجين هو المُستقبل؟

فكّر بوجهةِ نظر النّاشر عندما ينشرُ كتابًا لمؤلّف جديدٍ: يجبُ عليه تعيين طاقم لقراءة مُقتطفات الكتب والنّصوص الكاملة. يدفعُ النّاشرون إلى المُحرّرين لمُراجعة النّصوص المُختارة وتحديد ما إذا كانت تستحقّ النّشر، ويدفعون لمُصمّمي الكتب، وللطّابعاتِ والمُوزّعين… كلّ ذلك من دون وجودِ أيّ طريقةٍ لمعرفةِ ما إذا كان الكتابُ سيجدُ جمهورهُ. من وجهةِ نظر الأعمال التّجاريّة، هذا نموذجٌ محفوفٌ بالمخاطر، خاصّة عندما تُفكّر في حقيقةِ أنّ مُعظم الوكلاء والمُحرّرين يعترفون بأنّهم لا يعرفون لماذا بعض الكتب تبرزُ في حينٍ أن بعضها ينهار!

يجبُ أن يكون هناك وفوراتٌ هائلةٌ في دفعِ شخصٍ ما للاطّلاع على الكتبِ المنشورةِ ذاتيًّا بوساطة الإنترنت بدلًا من استخدام الكتب المنشورة تقليديًّا. يُمكن للمُوظّفين باستخدام التّقييمات والمُراجعات، والنّظر في عيّنات النّصوص، بتحديد النّجاحات المُحتملة وبذلك يُسعدون جميعًا (النّاشر والمُؤلّف والقارئ). في الوقتِ ذاتهِ سيُحسّن المُؤلّفون الّذين ينشرون بأنفسهم مهاراتهم في الكتابةِ والتّسويق على حدّ سواء؛ لذلك عندما يختارُ النّاشرون المُؤلّفين، فإنّ لديهم الخبرة المُناسبة للوصولِ إلى الجمهورِ الأوسع الّذي سيعرضهُ النّاشر لهم، وبذلك يفوز كلاهما.

هل من المنطقيّ حقًّا أن يستمرّ النّاشرون في تحمّل نفقات نشر كتب المُؤلّفين الجُدد؟ لا أظنّ ذلك. هل من المنطقيّ -حقًّا- أن يمرّ المُؤلّفون الجدد بإجراءاتٍ مُرهقةٍ من استجواب الوكلاء والمُحرّرين وإجراءاتهم عندما يُمكنهم قضاء ذلك الوقت في توزيع كتبهم في الأسواق ومن ثمّ بناءِ أساسٍ مهنيٍّ طويل الأجل؟ في الأغلب لا.

يُتيح النّشر المُختلط للمُؤلّفين والنّاشرين أفضل ما في العالمَين، من طريق تقليل الخطر على النّاشرين ورفع مُستوى أرباح المُؤلّفين. هو نموذجٌ مثالي.

في النّهايةِ لا بدّ من الاعتراف أنّ هذا النّهج معقولٌ حقًّا ويُفيدُ جميع الأطراف، وأنا دَهِشٌ من أنّ النّاشرين التّقليديّن كانوا بطيئين في الاستفادةِ من أفضل ما في السّوق الرّقمي من المنشور ذاتيًّا؛ نظرًا للمزايا الواضحة لهم من حيث النّجاح المُحتمل للمؤلَّف الجديد. أظنُّ قد حان الوقتُ للنّاشرين التّقليديّين أن ينظروا إلى أفضل ما في السّوق الرّقمي ومن ثمّ يُفصّلوا الصّفقات ذات المنفعة الماليّة القُصوى للمؤلّف والنّاشر والقارئ على حدّ سواء.

قد نرى كثيرًا من نماذج الأعمال الجديدة والمثيرة للاهتمام الخاصّة بالنّشر في السّنواتِ المقبلة. وآملُ أن تبرزَ تلك الّتي تُقدّمُ فرصًا أعدل للمُؤلفين للوصولِ إلى القمّة.

# النشر الهجين أو المختلط هو أفضل ما في العالمين By محمود قحطان،

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

‫6 تعليقات

Average 
 5 Based On 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!