أثر تطور تقنيات الإضاءة وموجاتها في المساحات البشرية
- تقنيات الإضاءة
- اكتشاف المصباح الكهربائيّ: الموجة الأُولى
- الإضاءةُ التّناظريّة الثّنائيّة: الموجة الثّانية
- الإضاءة الذّكيّة: الموجة الثّالثة
- إنترنت الضّوء وإنترنت الأشياء: الموجة أو الثّورة الرّابعة
لقد كان لتطوّر تقنيات الإضاءة بالفعلِ قوّةً تحويليّةً في تاريخِ البشريّةِ؛ لأنّها لم تُحدّد الطّريقة الّتي نرى بها بيئتنا ونتفاعل معها فحسب، بل أثّرت في تطوّرِ المساحاتِ ومفهوم المكان أيضًا. يُمكن تتبّع رحلة علوم الضّوء بعدّة مراحل رئيسة، تميّزت كلّ منها باكتشافاتٍ وابتكاراتٍ مُهمّة أحدثت ثورةً في فَهمنا واستخدامنا للضّوء.
مع اكتشافِ الكهرباء، صُنِّفَ التّقدّم التّقنيّ والزّمني في علوم الإضاءة إلى أربع موجات أو ثورات تقنيّة. الموجة الأولى كانت اكتشاف المصباح الكهربائي عام (1879)، تلتها الموجة الثّانية وهي اكتشاف المصباح الكهربائي LED عام (1961). أمّا الثّورة الثّالثة في علوم الإضاءة فكانت ظهور الإضاءة الذكية عام (2000). أمّا الثّورة الأخيرة هي إنترنت الإضاءة (2020–2035) التي تتفاعل معَ منصة إنترنت الأشياء (IoT).
تقنيات الإضاءة
اكتشاف المصباح الكهربائيّ: الموجة الأُولى
تميزّت المرحلةُ الأُولى في تاريخ علوم الإضاءة باختراعِ المصباح الكهربائيّ. وفر هذا الاختراع مصدرًا موثوقًا للضّوءِ يُمكن التّحكّم فيه، وهو ما يفوق بكثير قدرات الشّموع ومصابيح الغاز. غالبًا ما يُنسب اختراع المصباح الكهربائيّ إلى توماس إديسون؛ معَ أنّ عددًا منَ المخترعينَ كانوا يعملونَ على تقنيّاتٍ مماثلةٍ في ذلك الوقتِ. أدّى اعتماد الإضاءة الكهربائيّة على نطاقٍ واسعٍ إلى تحويلِ اللّيلِ إلى امتدادٍ للنّهار؛ ما مكّنَ النّاسَ من العملِ، والعيشِ بعد غروبِ الشّمسِ، وتوسيع نطاق الأنشطة الاجتماعية حتّى اللّيل، دون الاعتماد على الضّوءِ الطّبيعيّ. أدّى إدخال الإضاءة الكهربائيّة إلى كهربة المدن، وتغيير المشهد الحضريّ، وتمكين تطوير الهندسة المعماريّة الحديثة؛ ما مكّن تصميم المساحاتِ الدّاخليّةِ على نحوٍ مستقلٍّ عن مصادرِ الضّوءِ الطّبيعيّ.
الإضاءةُ التّناظريّة الثّنائيّة: الموجة الثّانية
يُعَدّ تطوّر إضاءة الفلورسنت Fluorescent في أوائل القرن العشرين الموجة الثّانية من الابتكارِ في تقنيات الإضاءة. قدمت مصابيح الفلورسنت، التي قُدِّمت في ثلاثينيّات القرن العشرين، مصدرًا للضّوء أكثر كفاءة وأطول أمدًا مقابلةً بالمصابيح المتوهّجة، وسمحت بتحكّمٍ أكبر في شدّةِ الضّوءِ وتوزيعه. مكّنت هذه التّقنيّة من إضاءة المساحات التّجاريّة والصّناعيةّ الكبيرة على نطاقٍ واسعٍ؛ ما أسهمَ في نموّ ثقافة المكاتب وتوسيع ساعات البيعِ بالتّجزئةِ. قدّمت مصابيح الهالوجين، الّتي ظهرت في السّتينيّات، مصدرَ ضوءٍ أكثر سطوعًا وتركيزًا؛ ما عزّز وظائف المساحاتِ وجماليّاتها من طريقِ تحسينِ تجسيدِ الألوانِ وقدراتِ الإضاءةِ.
الإضاءة الذّكيّة: الموجة الثّالثة
الإضاءة الذّكيّة: الموجة الثّالثة
أدّى ظهور تقنيّة الصّمام الثّنائيّ الباعث للضّوء Light Emitting Diode (LED)في أواخر القرن العشرين إلى ظهورِ الموجة الثّالثة من ابتكاراتِ الإضاءة. تُتيحُ مصابيح LED كفاءةً غير مسبوقةٍ في استخدام الطّاقة، وطول العمر، وتعدّد الاستخداماتِ؛ ما أحدثَ ثورةً في الإضاءةِ الدّاخليّةِ والخارجيّة. وقد مهّد دمج مصابيح LED معَ التّقنيّات الرّقميّة الطّريق لأنظمة الإضاءة الذّكيّة، الّتي يُمكن التّحكّم فيها عن بعدٍ، وبرمجتها للتّكيّف مع مختلفِ الاحتياجاتِ والتّفضيلاتِ.
يُمكنُ لأنظمةِ الإضاءةِ الذّكيّة ضبطُ السّطوعِ، ودرجة حرارة اللون، وحتّى اتّجاه الضّوء بناءً على مدخلاتٍ مختلفةٍ، مثل: الوقتِ منَ اليومِ، أو الإشغالِ، أو تفضيلاتِ المُستخدم المُحدّدة. لقد أثّرت أنظمة الإضاءة الذّكيّة تأثيرًا كبيرًا في مفهوم المساحةِ أيضًا؛ ما يسمحُ ببيئاتٍ ديناميكيّةٍ وسريعةِ الاستجابةِ يُمكنُ أن تتغيّرَ وَفقًا للأنشطة البشريّةِ أو الحالةِ المزاجيّةِ أو الأوضاعِ الخارجيّة. لم تُسهم هذه الموجة منَ الابتكارِ في الحفاظِ على الطّاقةِ فحسب، بل عزّزت وظائف المساحاتِ وتخصيصها أيضًا.
إنترنت الضّوء وإنترنت الأشياء: الموجة أو الثّورة الرّابعة
بالنّظرِ إلى الثّورةِ الرّابعةِ، نواجه مفهوم «إنترنت الضّوء المتّصل بإنترنت الأشياء (IoT)». يتصوّر هذا المفهوم مُستقبلًا لا تكون فيه أنظمة الإضاءة ذكيّة فحسب؛ بل تكون مترابطة معَ مجموعةٍ واسعةٍ من المحرّكاتِ، وأجهزة الاستشعار، وجمع البيانات وتبادلها مع أجهزة إنترنت الأشياء الأخرى أيضًا، وتكوّن شبكةً يمكنها التّواصل والعمل بسلاسة. من شأن إنترنت الضّوء أن يُعزّزَ إنترنت الأشياء؛ لتعزيز وظائف أنظمة الإضاءة، وتمكينها من المشاركة في نظامٍ بيئيٍّ أوسع للأجهزة الذّكيّة، والإسهام في إدارة الطّاقة، والأمن، وتجارب المستخدم الشّخصيّة.
إن الآثار المترتبة على هذه الموجة عميقة؛ لأنّها تُحوّل أنظمة الإضاءة إلى منصّاتٍ ذكيّةٍ يُمكنها دعم مجموعةٍ واسعةٍ من التّطبيقاتِ، بدءًا من تعزيز كفاءة البناء، والأمن، إلى تحسين الصّحّة والرّفاهيّة. يفتحُ إنترنت الضّوء إمكانيّاتٍ جديدة للمساحاتِ التّفاعليّة والتّكيفيّة؛ لأنّ الإضاءة لا تستجيب لاحتياجات الإنسان فحسب، بل تتوقّعها أيضًا!
لقد كان للثّوراتِ العلميّة في مجال الضّوء بالفعلِ تأثيرٌ عميقٌ في شكل الفضاءِ ووظيفته. معَ تطور تقنيات الإضاءة، تطوّرت القدرة على تصميم مساحات أكثر استجابة لاحتياجات الإنسان أيضًا، وقد سلّط مُؤتمر الإضاءة الذّكيّة في عام (2017) الضّوءَ على هذهِ التّحولاتِ، مُؤكّدًا كيف أدّت كلُّ موجةٍ من الابتكارِ في علومِ الضّوءِ إلى إعادة تعريفِ المساحاتِ؛ ما يجعلها أكثر قدرة على التّكيفِ وملاءمة لسّكانها.
باختصارٍ، ارتبطت تقنيات الإضاءة بالتّطوّر الزّمنيّ والتّقنيّ للاكتشافاتِ البصريّةِ ارتباطًا وثيقًا بتطوّرِ مفهوم الفضاء. فمن اختراع المصباح الكهربائي إلى دمج الإضاءة معَ التّقنيّاتِ الرّقميّة وإنترنت الأشياء، جلبت كلّ مرحلة حِقبة جديدة منَ الابتكارِ؛ ما أثّر تأثيرًا كبيرًا على كيفيّة عيش البشر وعملهم. تستمرّ التّطوّرات المُستمرّة في تقنيات الإضاءة في تشكيلِ البيئاتِ الّتي نعيش فيها؛ ما يجعلها أكثر كفاءة وراحة واستجابة لاحتياجاتنا، ويبشّرُ بعصرٍ جديدٍ من البيئاتِ الذّكيّةِ والتّفاعليّة.
# أثر تطور تقنيات الإضاءة وموجاتها في المساحات البشرية By محمود قحطان،