مقالات في العمارة والأدب والحياة

الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير اللغوي

مُقدّمة

معرفة الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير مهمٌ في عالم التّواصل الكتابيّ؛ فالدّقّةُ والوضوح أمرانِ أساسيّان. سواء كنت تصيغ تقريرَ عمل، أو ورقةً أكاديميّة، أو مقالةً في مُدونة؛ فإنّ محتواك الكتابيّ يُشيرُ إلى أفكارك وخبراتك. لضمان بروز رسالتك دون تشتيت، عليك معرفة الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير، وإتقان إجراءينِ أساسيّين: فن التّدقيق اللّغوي والتّحرير اللّغوي.

في حين أنّهما غالبًا ما يُستخدمان كمترادفين؛ إلّا أنّهما يخدمانِ أغراضًا مُختلفة. في هذا المقال، سنتعمّقُ في الاختلافاتِ الدّقيقةِ الّتي تُميّز التدقيق اللغوي عن التحرير اللغوي؛ ما يُساعدك على فَهم متى، وكيفيّة تطبيق كلّ تقنيّة بفعاليّة.

فَهم الأساسيّات

ما التّدقيق اللُّغويّ؟

التدقيق اللغوي هو المرحلة النّهائيّة والدّقيقة من مُراجعة وثيقةٍ أو مستندٍ مكتوب. في هذه المرحلة، يكمن هدفك الأساسي في تحديد الأخطاء: اللغويّة، والنّحويّة، والصّرفيّة، والإملائيّة، والطّباعيّة، وأخطاء علامات التّرقيم، والتّنسيق، وتصحيحها. يدور التدقيق اللغوي حول فحص النّصّ بحثًا عن أخطاء الكتابة والتّناقضات والعيوب الطّفيفة الّتي ربّما تسللت من المُسوّدات السّابقة. إنّها الخط ّالدّفاعي الأخير قبل اعتماد مُحتواك للنّشر.

ما التّحرير اللُّغويّ؟

يشمل التحرير مجموعةً أوسع منَ الأنشطةِ. إنّه يتضمّن تقييمًا شاملًا لمحتواك من أجل الوضوح والاتّساق والتّماسك والفعاليّة الشّاملة. لا يقتصر دور المحرّرين على التّركيز على الأخطاء السّطحيّة فحسب؛ بل يدرسون بعمق هيكل كتابتك وتدفّقها. يتضمّن التّحرير تنقية بنية الجملة، وتحسين اختيار الكلمات، والتّخلّص من التَّكرار، وضمان تقديم أفكارك تقديمًا منطقيًّا. يَرمي المحرّرون إلى تعزيز قراءة النّصّ وتأثيره.

التّعريف الأكثر قربًا إلـى جوهـر التحريـر اللغوي والمقبول لدى مُعظم الأشخاصِ في هذا المجال، هـو أنّ التحريـر يعنـي: (إعادة صياغة النّصّ). يعني ذلك أنّ ركاكةَ الجُملة، أو عدم توافق الكلام معَ المعنى، لا شأنَ لهُ بالتدقيق اللغوي. مثال ذلـك هـذه الجملة: (لقد فعلوا ذلك وحلّوا المشكلة بثلاثة أشهر، الّتي لم يستطع في سنتين، المهندسون حلّها).

عندما نُدقّق في هذه الجملة؛ نجد أنّها لا تحتوي على أخطاء لُغويّة أو نحويّة أو إملائيّة، وهي خالية من الأخطاء الطّباعيّة أيضًا. معَ ذلك؛ فإنّها ليست صحيحةً من النّاحيةِ التّحريريّة، وعدم صَوابها يُلغي أهميّة التدقيق اللغوي. صواب الجملة: «لقد فعلوا ذلك وحلّوا المشكلة في ثلاثة أشهر؛ مع أنّ المهندسين لم يستطيعوا حلّها في سنتين». يعني هذا أن امتثال الجملة إلى القواعد اللغوية لا يكفي بمفرده لضمان صحة المعنى واستقامته، وأن التحرير اللغوي هو جزءٌ أساسيٌّ للكتابةِ الصّحيحة.

بهذا يُمكن تعريف التحرير على أنه: (مراجعة الجملة المكتوبة، والنّظر في استخدام الكلمات وقدرتها على إيصال المعنى المطلوب، ووضوح الفكرة من عدمها).

بناءً على فَهم الأساسيّات، صارَ منَ الواضحِ أنّهُ ليس كل مدقق لغوي هو محرر، فالتحرير اللغوي يتجاوز التّدقيق اليسير. يجبُ أن يتمتعّ المحرر اللغوي بقدرةٍ على ربط الجمل، وفَهم المعاني المعقّدة، وإعادة صياغة الجمل دون تغيير المعنى الأصلي. هذه المهاراتُ تحتاجُ إلى معرفةٍ واسعةٍ وخبرة في المجالاتِ المُختلفة. بعد دراسة العلاقة بين التدقيق والتحرير، يمكنُ القول بثقةٍ: إنّ كلّ محرّرٍ هو مدققٌ لُغويّ.

أهميّة معرفة الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير اللغوي

تبادل المفاهيم بين التدقيق اللغوي والتحرير اللغوي يُمكن أن يسبّب سوءَ فَهمٍ بين المدقق اللغوي والعميل. قد يفهمُ العميلُ أنّ المدققين اللغويين مسؤولونَ عن التحرير أيضًا، وهذا غيرُ صحيح. من ناحيةٍ أخرى، قد يظنّ المدقق اللغوي أنّ لديه صلاحيّة التّدخّلِ في التّنسيقِ والكتابةِ دونَ مُوافقةِ العميلِ سلفًا. يُمكنُ أن يُؤدّي هذا إلى حدوثِ توتّرٍ بينَ الجانبينِ. لذا، معرفةُ الفرقِ بينَ التدقيق اللغوي والتحرير اللغوي يُساعدُ على تحديدِ المهامّ المنوطةِ بكلٍّ منهما والاستعانةِ بالشّخصِ المُناسبِ لكلّ مرحلةٍ، ويُساعدُ على وضعِ المعاييرِ المُلائمةِ لتقييمِ جودةِ العملِ في كلّ مرحلةٍ أيضًا. هذا سيُساعدُ على تجنّبِ أيّ مشكلاتٍ مُحتملةٍ بينَ المدقق اللغوي والعميل، وضمانِ وجودِ علاقةِ عملٍ سلسةٍ بينهما.

أسباب أهميّة فَهم الفرق بين التحرير اللغوي والتدقيق اللغوي

السّبب التدقيق اللغوي التحرير اللغوي
السّبب المادّي يتطلّب وقتًا أقل، وجهدًا أقل، وأجرًا أقل. يتطلب وقتًا أطول وجهدًا أكبر، وأجرًا أعلى.
الصّلاحيّة يكون التّدقيق أكثر تركيزًا على الجوانبِ اللّغويّة الصّغيرة وإصلاح الأخطاء. يمنحُ المُحرِّرَ حريّة تعديل النّصّ إلى حدٍّ بعيد؛ لتحسين التعبير والتنظيم. وتغيير الأسلوب والمعنى إذا لزم الأمر.
معرفة العميل بالفرق   يساعدُ العميل على اختيار الخِدمة المناسبة.

الاختلافات الرّئيسة

الآن بعد أن حدّدنا المصطلحات الأساسيّة، دعونا نستكشف الفروق الرّئيسة بين التدقيق اللغوي والتحرير:

الاختلافات الرّئيسة التّدقيق اللّغوي التّحرير اللّغوي
نطاق التّغييرات يقتصرُ على التّصحيحات الطّفيفة، مثل: إصلاح الأخطاء الإملائيّة، والنّحوية، واللّغويّة. يشمل تغييرات أكثر أهميّة لتحسين نوعيّة المحتوى وجودته بوجهٍ عام، بما في ذلك إعادة هيكلة الجمل والفِقْرات.
التّوقيت  

عادة ما يُجرى كخطوةٍ نهائيّةٍ بعد إجراءِ التّعديلات الرّئيسة كافّة.

يمكن أن يكون إجراءً مُستمرًّا يبدأ بعدَ المسوّدةِ الأوليّةِ، ويستمرّ طَوال تَكرارات مُتعدّدة.
التّركيز يُركّز على الأخطاء السّطحيّة والاتّساق. يُعالج مشكلاتٍ أعمق: كالوضوح، والتّماسك، وفعاليّة المحتوى بوجهٍ عام.
الغرض يضمنُ خلوّ الوثيقةِ منَ الأخطاءِ وجودتها قبل النّشر. يُعزّز جودة المحتوى وسهولة قراءته وتأثيره.

متى نستخدمُ كلًّا منهما؟

إنّ معرفةَ الوقت المناسبِ لاستخدام التّدقيق اللُّغوي أو التّحرير اللُّغوي هو عاملٌ حاسمٌ لضمانِ إنتاج موادّ كتابيّة عالية الجودة:

استخدم التّدقيق اللُّغويّ: بعد أن حسّنتَ بالفعلِ بنية المُحتوى وتدفّقه، وترغب في إضفاءِ اللّمساتِ النّهائيّةِ عليهِ قبل مُشاركته معَ جمهورك.

استخدم التحرير: عندما يحين وقت الحاجة لإجراء مراجعةٍ شاملةٍ لعملك، ولا سيّما إذا كنت تشكّ بشأنِ تنظيم الأفكار، أو وضوح التّعبير، أو تأثير العمل العام.

في النّهايةِ، يعودُ تقرير ما يحتاجهُ المُؤلّف من خِدْمات تدقيق وتحرير إلى المُدقّق اللُّغويّ، وليس إلى العميل؛ لأنّ المُدقّق اللُّغويّ هو المختصّ باللّغةِ ومهاراتِ الكتابة. بعبارةٍ أخرى، المُدقّقُ هو من يُحدّد -بناءً على خبرته- ما إذا كانَ النّصُّ بحاجةٍ إلى تدقيقٍ فحسب أو إلى تدقيقٍ وتحريرٍ معًا.

خاتمة

في ميدان التّواصل الكتابي، يُؤدّي التَّدقيق اللُّغوي والتَّحرير أدوارًا مُتكاملة؛ ولكنّها مختلفة. في حين يركز التّدقيق اللغوي على التّفاصيل الدّقيقة، يضمن التّحرير اللغويّ أن يتواصلَ مُحتواك بفعاليّةٍ وأن يصلَ إلى جمهورك. كلاهما ضروريٌّ لإنتاج مواد مكتوبة عالية الجودة.

بوساطةِ فَهم الاختلافاتِ ومتى يجبُ استخدام كلّ تقنيّة، يُمكن الارتقاء بمستوى الكتابةِ إلى مُستوياتٍ وآفاقٍ جديدةٍ.

الأسئلة الشائعة في التّدقيق اللّغوي والتّحرير اللّغوي

س1 هل يُمكنني تخطّي التّحرير اللّغوي إذا كنت قد دقّقتُ المُستند بالفعل؟
ج1 معَ أن التّدقيق اللغّوي يُعالج مُشكلاتٍ عديدة؛ إلّا أن التّحرير اللّغوي لا يزال ضروريًّا لاكتشاف أيّ أخطاء عالقة ربما جرَى تفويتها.
س2 كيف يُمكنني أن أصبح أفضل في التّدقيق اللّغوي وتحرير أعمالي؟
ج2 معَ التّدريب يأتي الإتقان. كلّما دقّقت وحرّرت وراجعت أكثر؛ أصبَحت أكثر مهارةٍ في اكتشافِ الأخطاء وتحسين كتابتك.
س3 هل يجب عليّ توظيف مُحرّر محترف لكتابتي؟
ج3 إذا كان محتواك مهمًّا ويحتاجُ إلى تركِ انطباعٍ قويّ؛ فإنّ توظيفَ مُحرّر يُمكن أن يكون استثمارًا حكيمًا لضمان  أعلى مستويات الجودة.
س4 هل يمكن لبرامج التّدقيق اللّغوي والتّحرير أن تحلّ محلّ المُحرّرين البشريّين؟
ج4 في حين أنّ البرامج يُمكن أن تكون مفيدةً؛ فإنّ المُحرّرين البشرييّن يُقدّمون فَهمًا دقيقًا للغةِ والسّياق الّذي قد لا تفهمه الأدوات الآليّة بوجهٍ كامل.
س5 ما بعض الأخطاء الشّائعة الّتي يجبُ الانتباه إليها عند التّدقيق اللّغوي؟
ج5 تشمل الأخطاء الشّائعة في المراجعة، الهمزات، وتفويت الكلمات المُتشابهة نطقًا أو المُتجانسة: (مثل: ذهب/ذاهب)، وتفويت أخطاء التّرقيم، وعدم اكتشاف ضعف الاتّساق، والتّناقضات في التّنسيق.

# الفرق بين التدقيق اللغوي والتحرير اللغوي By محمود قحطان،

 

محمود قحطان

استشاريٌّ مِعماريٌّ باحثُ دراساتٍ عُليا في التّصميم البيئيّ وكفاءة الطّاقة في المباني. مُدقِّقٌ لُغويٌّ، وشاعرُ فُصحى. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشِرت عنه رسالة ماجستير، ونُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وتُرجِم بعضها. أصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!