مقالات في العمارة والأدب والحياة

الأرض… 3

الأرض… 3

لا تنسَ قراءة الجُزء الأوّل و الجزءُ الثّاني

أقوالُ العُلماء والفقهاء المُسلمين عن كروية الأرض:

دُعمت فكرة مركزية الأرض من طريق مُلاحظتين، الأولى: أنّ النّجوم والشّمس والكواكب بدت وكأنّها تدورُ حول الأرض؛ وعلى هذا فإنّ الأرض هي مركز الكون. الثّانية: عدم الإحساس بحركة الأرض، أي أنّها مُستقرّة وصلبة. ظلّ هذا الاعتقادُ سائدًا حتّى جاء كوبرنيكوس كما أسلفنا، الّذي توصّل إلى أنّ الشّمس هي مركز الكون.

ذكرنا سلفًا أيضًا أنّ مُعظم عُلماء المُسلمين في التّاريخ والجُغرافيا وأدب الرّحلاتِ والطّبيعةِ والفلكِ والفقهاء أجمعوا على كرويّة الأرض، ففي عهد المأمون سنة (830) ميلاديّة، طلبَ من عددٍ من الفلكيّين قياس المسافة من تدمر إلى الرّقة في سورية فوجدوا أن المدينيتين تفصلان بعضهما درجة خط عرض واحدة قوس الزوال (فرق خط الطول) بحدود (662⁄3) ميل عربي ثمّ قاسوا محيط الأرض ليُصبح (24,000) ميل.

مقالات ذات صلة

أمّا أحمد بن كثير الفرغاني العالمُ الرّياضيّ والفلكيّ المُسلم، قدّرَ قطرَ الأرض بمقدار (6500) ميل.

أمّا أبو الرّيحان البيروني فقد حسب مُحيط الأرض وكانت تقديراته بحدود (6339.9) كم لنصف قطر الأرض، وهي أقلّ بنحو (16.8) كم من القيمة الدّقيقة المُعاصرة (6356.7) كم.

أمّا بنو موسى بن شاكر فقد قاسوا محيط الكرة الأرضية وقطرها، فاختاروا أكثر البسيط استواءً وهي صحراء سنجار في غرب محافظة نينوى شمال العراق، وفي مكانٍ مُعيّن (ارتفاع القطب الشمالي) زرعوا وتدًا، وربطوا فيه حبلًا طويلًا وساروا شمالًا، وكلّما وصلوا إلى مكانٍ زاد فيه ارتفاع القطب عن الارتفاع الأوّل درجةً كاملةً زرعوا وتدًا جديدًا… وهكذا، ثمّ قاسوا المسافةَ بين الوتدين فوجدوا أنّ الدّرجة الواحدة يُقابلها مسافة (66) ميلًا وثُلثان، ثمّ كرّروا هذا الإجراء جنوبًا فوجدوا النّتائج نفسها، وبهذه الطّريقة حدّدوا مُحيط الأرض قُرابة (25000) ميل.

أمّا أبى القاسم عبد الله بن عبد الله ابن خرداذبة فقد قرّر في كتابه «المسالك والممالك» كروية الأرض، وابن رستة في «الأعلاق النفيسة» قرّر كروية الأرض ودافع عنها، وفي كتاب «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» دافع شمس الدّين المقدسي عن كروية الأرض واحتجّ لها، وقرّر ذلك ياقوت الحموي في كتابه «مُعجم البلدان».

أمّا أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي الهاشمي القرشي صاحب الكتاب الشّهير «نُزهة المُشتاق في اختراق الأفاق»، صنع كرةً فضيّةً كبيرةً ونقشَ عليها الأقاليم السّبعة. وقال: «… والأرضُ وإن كانت كُرةً إلّا أنّها غير صادقة الاستدارة».

ما قالهُ العُلماء والفقهاء:

هنا يقول محمد بن أحمد الخوارزمي:

«الأرضُ في وسط السّماء، والوسط هو السّفل بالحقيقة، والأرضُ مُدوّرة بالكلية، مضرّسة بالجزئيّة من جهة الجبال البارزة والوهدات الغائرة، ولا يخرجها ذلك من الكريّة، إذا وقع الحسّ منها على الجملة؛ لأنّ مقادير الجبال، وإن شمخت، صغيرة بالقياس إلى كلّ الأرض، ألا ترى أنّ الكرةَ الّتي قطرها ذراع أو ذراعان إذا نتأ منها كالجاورسات وغار فيها أمثالها، لم يمنع ذلك من إجراء أحكام المدوّر عليها بالتّقريب؟ …».

قال ابن تيمية في كتابه (مجموع الفتاوى):

«… وكذلك أجمعوا على أنّ الأرضَ بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة. قال: ويدلُ عليه أنّ الشّمسَ والقمرَ والكواكبَ لا يوجد طلوعها وغروبها على جميع من في نواحي الأرض في وقتٍ واحدٍ، بل على المشرق قبل المغرب».

ونقل –رحمه الله- عن أبي الحسين ابن المنادي –رحمه الله- وقال:

«… وقال الإمام أبو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من أعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتّصانيف الكبار في فنون العلوم الدّينيّة من الطّبقة الثّانية من أصحاب أحمد: لا خلاف بين العلماء أنّ السّماء على مثال الكرة …».

قال الإمام ابن حزم الأندلسي في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل):

«إنّ أحدًا من أئمّة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم -رضي الله عنهم- لم يُنكروا تكوير الأرض، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة، بل البراهين من القرآنِ والسّنةِ قد جاءت بتكويرها».

قال الشّيخ ابن عثيمين -رحمه الله-:

«الأرض كروية بدلالة القرآن، والواقع، وكلام أهل العلم، أمّا دلالة القرآن، فإنّ الله تعالى يقول: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ)، والتّكوير جعل الشّيء كالكور، مثل كور العمامة، ومن المعلوم أنّ اللّيل والنّهار يتعاقبان على الأرض، وهذا يقتضي أن تكون الأرض كروية؛ لأنّك إذا كورت شيئًا على شيء، وكانت الأرض هي الّتي يتكوّر عليها هذا الأمر لزم أن تكون الأرض الّتي يتكوّر عليها هذا الشيء كروية».

وفي فتاوى نور على الدرب ذكرَ أهلُ العلمِ:

«أنه لو ماتَ رجلٌ في المشرقِ عند غروب الشّمسِ، وماتَ آخر في المغربِ عند غروبِ الشمّس، وبينهما مسافة، فإنّ من ماتَ في المغربِ عند غروبِ الشّمسِ يرثُ من ماتَ في المشرقِ عند غروبِ الشّمسِ إذا كانَ من ورثتهِ، فدلّ هذا على أنّ الأرض كروية، لأنها لو كانت الأرض سطحية لزم أن يكون غروب الشّمس عنها من جميع الجهات في آنٍ واحد، وإذا تقرر ذلك فإنّهُ لا يُمكن لأحدٍ إنكاره، ولا يشكل على هذا قوله تعالى: (أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) لأن الأرض كبيرة الحجم، وظهور كرويتها لا يكون في المسافات القريبة، فهي بحسب النّظر مسطّحة سطحًا لا تجد فيها شيئًا يُوجب القلق على السّكون عليها، ولا يُنافي ذلك أنّ تكون كروية، لأنّ جسمها كبيرٌ جدًّا، ولكن مع هذا ذكروا أنّها ليست كرويّة متساوية الأطراف، بل إنّها مُنبعجة نحو الشّمال والجنوب، فهم يقولون: إنّها بيضاوية، أي على شكل البيضة في انبعاجها شمالًا وجنوبًا».

بعض آيات إثبات كروية الأرض:

قوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحجّ: 27]، الفَجُّ: الطريق الواسع بين جَبَلين، وقال ثعلب: هو ما انخفض من الطرُق، والعَمْق: البعد إِلى أَسفل، وقيل: هو قعر البئر والفجِّ والوادي، أي أنّ الفجّ العميق لا يصلُ إليه نظرُ النّاظر، وهذا لا يحدث إلّا إذا كانت الأرض مُكوّرة.

{أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}[الأنبياء: 44]

هذه الرّؤية لا تنطبق إلّا على الشّكل الكروي، فإلى أيّ اتّجاهٍ نظرت وجدت تناقصًا مُستمرًّا.

{يَا مَعْشَرَ الجِنِّ وَالإنسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إلاَّ بِسُلْطَانٍ}[الرحمن: 33]

قطر كلّ شكلٍ وكّل جسمٍ هو الخطّ الواصل من أحد أطرافهِ إلى الطّرفِ المقابل مرورًا بمركز، يُشيرُ هذا إلى أنّهُ يُحيط بالأرضِ والسّماء حلقات كُرويّة.

{لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40]

قالَ الشّيخ مُحمّد مُتولّي الشّعراوي في تفسيرهِ الآية:

«… إذًا القضيّة الّتي نفاها الله أنّ اللّيل لا يسبق النّهار؛ إذًا كان المُخاطبُ يعتقدُ أنّ اللّيل يسبقُ النّهار؛ وعلى هذا فإنّ الّذي يعتقدُ أنّ اللّيلَ يسبقُ النّهارَ إذًا هو يعتقدُ أنّ النّهارَ لا يسبق اللّيل. لا اللّيلُ سابق النّهار قضيّةٌ منفيّةٌ من الله، والنّهار لا يسبقُ اللّيل قضيّةٌ مُثبتةٌ من المُخاطَب، نفى الله القضيّة الأُولى وترك القضيّة الثّانية إذًا لا هذا سابق هذا ولا هذا سابق هذا.

إن كانتِ الأرضُ مسطوحة، فإن كانَ اللهُ قد خلقَ الشّمسَ مُواجهةً لسطحِ الأرض، ثُمّ غابتِ الشّمسُ فجاءَ اللّيلُ؛ إذًا النّهار يسبقُ اللّيل، وإن كانَ خلقها غير مُواجهةٍ لسطح الأرضِ ثمّ طلعت على سطحِ الأرض؛ إذًا اللّيلُ يسبقُ النّهار؛ لكن الله يقولُ أنّ هذا لا يسبق هذا ولا هذا يسبقُ هذا؛ إذًا يجبُ أن يكونَ خلقَ الشّمسَ والأرضَ على هيئةٍ يُوجدُ فيها اللّيلُ والنّهارُ معًا، ولا يكونُ ذلك إلّا إذا كانتِ الأرضُ كُرةً، فالمُواجهُ للشّمسِ نهار، وغير المُواجهِ ليل، ثُمّ تدورُ فيأتي اللّيلُ والنّهار».

# ألديك ما تُضيفهُ من أقوال الفقهاء أو العلماء المُسلمين حول كرويّة الأرض؟ ضعهُ في التّعليقات!

يُتبع To be continued

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!