مقالات في العمارة والأدب والحياة

الأرض… 4

الأرض… 4

لا تنسَ قراءة الجُزء الأوّل والجزءُ الثّاني والجزء الثّالث.

تخيّل القُدماءُ وحضاراتٌ كثيرة أنّ الأرضَ على شكلِ قرصٍ أو سطحٍ مُستوٍ. انتشرَ هذا المفهوم في الحضارةِ اليونانيّة، وحضارات الشّرقِ الأدنى (الأناضول، والهلال الخصيب، وبلاد ما بين النّهرين)، وفي الهندِ، وفي الصّينِ، وعند اليهود في عصر التّوراة وما بعد الكتاب المُقدّس حيث كانتِ الأرضُ فيه قرصًا مُسطّحًا يطفو على الماء، وفي أوائل العصر المصري… وغيرها، حيثُ كان مفهومهم أنّ الأرض مسطحة يعلوها قبّة على شكل وعاء مقلوب. إضافةً إلى ذلك كان مُعظم الفلاسفة قبل سقراط يعتقدون أن الأرض مسطحة، مثل: طاليس، وليوكيبوس، وديموقريطس، وأناكسيماندر… وغيرهم،  وابتداءً من فيثاغورس في القرنِ السّادس قبل الميلاد بدأ العالمُ بتطوير نموذج الأرض الكروية.

من الآيات الّتي تدلُّ على أنّ الأرض مسطحة:

{لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ وَلَٰكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا}.

مقالات ذات صلة

هل للكرةِ ظهر؟ لا؛ إذًا كلمةُ ظهرٍ لا تصحّ أن تصفَ شكلًا كرويًّا.

{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.

ذلولًا: الطَّريقُ الْمُمَهَّدَةُ، سَهْلَةُ الاِجْتِيازِ.

{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}.

الظّهور نوعان: عمودي كظهر الإنسان، وأفقيّ كظهرِ الدّواب. فكيف يُذلّلُ الله ظهور الدّواب؟ أن يجعلها أفقيّة (مُسطّحة)؛ إذًا للأرض ظهرٌ وللدّوابِ ظهر، وكلا الظّهرين وُصِفا بالذّلول والتّذليل أيّ يجمعهما صفة واحدة وهي: التّسطيح.

ما يدعمُ هذه الفكرة قولهُ تعالى:

{وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (12) لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}.

أي أنّ جميع ما يُرْكَب يأخذُ الشّكل الأفقي، أي أنّها تُوازي ظهر الأرض الأفقي.

أمّا (مناكبها) ومُفردها (مَنْكِب): فهو مجتمع رأس الكتف والعضد، ولعلّه سُمّي كذلك لأنّه على جانب البدن؛ فالمنكب يُطلق في الأصل على الجانب والنّاحية؛ ولأنّ المناكب يجبُ أن تكون على خطٍّ أُفقٍ واحدٍ لا يُمكن أن تنحني، فهذا لا يُمكنُ تطبيقه على أرضٍ كرويّةٍ.

{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا}. {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ}.

البسط عكس القبض، وأنت لا تستطيع أن تشربَ إلّا إذا بسطت يديك، وهذا هو شكل الأرض، أي أنّها مبسوطة.

 {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.

هذا يعني أنّها مُسطّحة ثمّ سيقبضها؛ إذ كيفَ سيقبضُ الله شيئًا إن كان في الأصلِ مقبوضٌ؟!

{وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا}.

هذا لا يحدث إذا كانت الأرض كروية، فكيف سيُمدّ الجسمُ المُكوّر؟

{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا}.

أنْقَصَه لغة؛ وانْتَقَصَه وتَنَقَّصَه: أَخذ منه قليلًا قليلًا. لُغويًّا إذا كانتِ الأرضُ كرةً لن يستخدمَ اللهُ لفظَ (ننقصها) بل سيستخدمُ لفظًا يتناسبُ مع الشّكل الكرويّ، فهو إمّا سيجعلها أكبر أو أصغر، أمّا النّقصان يحدثُ للشّيء المُسطّح، إضافةً إلى أنّ الكُرة ليس لها أطراف.

{وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}.

يُمكن فهم مشارق الأرض ومغاربها على شكلٍ مُسطّح؛ لأنّنا لا نستطيع تحديد مشارق الأرض الكروية ومغاربها.

{غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ}.

أدنى: أخفض ما في الأرض. لا يُمكن أن يكون في النّموذج الكرويّ جزءٌ أدنى، فالأدنى يُصبح أعلى والعكس صحيح، أمّا في الأرض المسطحة يُمكن فهم الدّنو.

{ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ}.

الكرةُ لا تضيقُ عليك إلّا إذا كنت تعيشُ في داخلها؛ لذلك لا يستقيم هذا الوصف مع نموذج الأرض الكرويّة. أمّا لأنّك تعيشُ على ظهرِ الأرض فيُمكنُ عندئذٍ أن تضيق عليك أفقيًّا.

{وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادً}.

كلمة (فوق) لا تصحّ إلّا إذا كانت الأرض مسطحة، فلا يُمكن استخدام كلمة (فوق) مع الكرة بل كلمة (حول).

{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا}.

المَهْدُ: الأَرضُ السَّهلَةُ المستوية.

{وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا}.

وما طحاها: والّذي بَـسَـطها ووَطّـأها.

{وَإِلَى ٱلأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ}.

سطَّح الشَّيءَ: سطَحه؛ بسَطه وعرَّضه وسوّاه.

{وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ}.

والأرضَ فرشناها: مهّدناها وبَسَطناها كالفراش للاستقـرار عليها.

{وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۖ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}.

في أيّ مكانٍ على سطحِ الأرضِ لا يُمكن أن يكون وجهك شَطْرَ المسجدِ الحرامِ إلّا إذا كانت الأرض مسطحة؛ لأنّ من سيُصلّي على كرةٍ وهو في اليابان مثلًا سيكون وجهه إلى أعلى، أي إلى السّماء.

# ألديك ما تُضيفهُ من أقوال الفقهاء أو العلماء المُسلمين أو الآيات حول الأرض المسطحة؟ ضعهُ في التّعليقات!

يُتبع To be continued

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!