ظاهرة FOMO الخوف من فوات الشيء
أصبحَ الاتّصال بالأصدقاء والعائلة أسهل من أيّ وقتٍ مضى بفضل وسائل التّواصلِ الاجتماعيّ؛ ولكن ما إن تُصبح جميع التّغريدات وتحديثات الحالة أكثر من اللّازم؛ فثمّة ظاهرةٌ جديدةٌ في علم النّفسِ يتحدّثونَ عنها – تُسمّى ظاهرة FOMO الخوف من فوات الشيء، وقد لا تعرف حتّى أنّك تُعاني منها!
هل تتحقّق باستمرارٍ من صفحتك على فيسبوك Facebook؟ مرارًا وتكرارًا، هل تُحدِّث موجز تويتر Twitter الخاصّ بك؟ أتجد صعوبةً في إيقاف تشغيل هاتفك الذّكي؟ إذا فعلت ذلك، فقد تكون لديك حالة FOMO.
FOMO (Fear of Missing Out) هو تعبيرٌ قصيرٌ عنِ الخوفِ منَ الضّياع!
إنّها مُتلازمة Syndrome: اضطرابٌ أو مرضٌ، نتجَ عن وسائل التّواصل الاجتماعيّ – الخوفُ من أنّك إذا لم تكُن مُتّصلًا في الفيس بوك، أو تويتر، أو إنستغرام…إلخ؛ أي إذا لم تكُن في الحَدَثِ/في منتصفه؛ فإنّك ستفقدُ معلومةً مهمّة، أخبارًا، ماذا يفعلُ أصدقاؤك، أحدهم تزوّج، أحدهم مات، فريقك المُنتصر… يُشبه هذا إدمان المُخدِّرات، فأنت تحتاجُ إلى الأخبارِ الآن وفي كُلِّ وقتٍ!
يُنشئُ هذا، صدّق أو لا تُصدّق، مستوى مرتفعًا من التّوتّر والقلق، فكثيرٌ منَ النّاسِ يضطّربون ويُريدون ردّ فعلٍ توًّا ودون تأخير: «هل أرسل البريد الإلكتروني؟»، «هل حدَّث صفحته؟»، «هل ضغط زرّ الإعجاب؟» … أريدُ أن أعرفَ الآن، أنا مُشوَّشٌ، أنا مهوسٌ… يجبُ أن أرى الآن، أُريدُ إجابةً حالًا. إذا مررت بذلك فأنت مُصاب FOMO.
قال بعضهم إنّه ليس حالة إدمان. بدلاً من ذلك، أصبحت وسائل التّواصل الاجتماعي جزءًا منَ الحياةِ اليوميّة، كالأكل والشّرب وأداء التّمارين الرّياضيّة…؛ فإنّ مواقع التّواصل الاجتماعي هي جزءٌ من حياتنا أيضًا.
يقول الدّكتور غرينفيلد إن (5-10٪) فحسب منَ النّاس يُعَدّون مُدمنين حقيقيّين FOMO؛ ولكن معظمنا -نحنُ- من المُسيئين Abusers. المسيؤون: الأشخاص الّذين يسيؤون استخدام شيءٍ ما. يُمكنك شرب الكحول بطريقةٍ معقولةٍ تُظهرُ أنّه يُمكن الوثوق بك؛ ولكن إذا كنت تشربه بكثرةٍ، فأنت بذلك تُسيء إلى تعاطي الكحول.
إذن، إليك نموذج شخصٍ يُعاني من FOMO. إنّه شخصٌ لديه جهازٌ (هاتف خلوي، جهاز لوحي…) يبقيهِ على الإنترنت ويحمله معه طَوال الوقت. ينامُ وهاتفه بالقربِ منه. معه عندما يأكلُ وجبته. حتّى إنّه قد يأخذه معه إلى الحمّام!
الجانبُ المُظلم
الهاتف الخلويّ صار ضرورةً مُلحّةً، يستخدمهُ الجميع الآن تقريبًا في كلِّ شيء. إنّه شيءٌ ضخمٌ للتّواصل وبناء العلاقات أو المعارف، ولدعم الأعمال، ولتبادل المعلومات… لكن يمكن أن يكون لدى FOMO جانبٌ مظلم. الجانب المظلم هو جانبٌ سلبيٌّ، وبالعودةِ إلى استخدام الكحول، قد يكون شرب الكحول مفيدًا لبعض الأشخاص؛ ولكن -بالتّأكيد- له جانبٌ أغمق أيضًا. كُن حذرًا!
قد ينشأُ الجانبُ المُظلمُ في FOMO بسبب تغريدة أحد الأصدقاء من إجازةٍ رائعةٍ، أو نتيجة صور لمعارف من حفلةٍ لم تُدعَ إليها، أو لنشر أحد زملائك في المدرسة الثّانوية على Facebook صورًا لزواجهِ المثاليّ، أو منشورًا عن مدَى سعادته مع عائلته أو إنجازاتهِ العلميّة والماديّة؛ ما أدّى إلى مشاعر الحَسد Envy، أو مشاعر عدم الكفاءة inadequacy، أو حتّى الشّكِّ الذّاتي في الحياةِ وأهميّتك فيها؛ وعندئذٍ يمكنُ أن تصبحَ مشكلةً خطيرةً!
إنّهم يشعرونَ أنّه إذا لم يَدعوهم أحد إلى هذه الحفلة، أو أنّهم ليسوا جزءًا من هذه الإجازة، فهذا يعني أنّ هناك خطأً فيهم. لا تفعل ذلك. لا تظنّ أنّ الجميعَ سُعداء، هم ليسوا بالضّرورةِ كاذبون؛ ولكن ثِقْ أنّ لديهم مشكلاتهم، الفرقُ أنّهم لا يتحدّثونَ عنها.
على سبيل المثال: أنا لا أحسُدُ ولا أغار، هذه طبيعتي. هل يعني هذا أنّ كلّ شيءٍ في حياتي عظيم؟ بالتّأكيد لا. أنا شخصٌ إيجابيٌّ، عندما تراني، فأنا أبتسمُ وأمزحُ وأتحدّثُ… فهل يعني هذا أنّني من دون مُشكلات؟ ثِقْ بي، أنا لديّ مشكلات عديدة؛ ولكن شخصيّتي لا تسمح لي بعرضها؛ لذلك عندما يكون لديك مُشكلات وتراني ربّما تظنّ أنّني من دون مشكلات وسعيدٌ دائمًا؛ عندئذٍ ربّما تحسدني، ربّما تُفكّر في مدى سوء حياتك.. لكنّك مُخطئ. كلّنا لدينا مشكلات كبيرة، وإذا لا يوجد لدى أحدهم مشكلة فهو ليسَ حيًّا! أنا لا أنسى مُشكلاتي؛ ولكنّني لا أقلقُ كثيرًا بشأنها لأنّ القلق قد يكونُ خطيرًا، وعليك ألّا تقلق؛ لذلك لا تُقابل بين حياتك وحياة الآخرين.
المُقابَلَة هي اليأسُ
قيل إنّ المُقَابلة هي اليأس؛ لذلك في المرّةِ المُقبلةِ الّتي تضعُ فيها خططًا للبقاءِ في المنزل ليلة الإجازة، لا تقلق عندما ترى على Facebook أو Twitter أنّ جميع أصدقائك في الخارج يستمتعونَ بوقتهم وحياتهم؛ فأنت الّذي اختار أن يبقى في المنزل وَحده، قد ترغب في إيقاف تشغيل هاتفك فحسب.
يجبُ على من يُعانون من FOMO أن يتعلّموا كيف يستخدمونَ هواتفهم بطريقةٍ أكثر اعتدالًا، وكيف يُسيطرون على عواطفهم ولا يُخدِّرون أنفسهم باستخدام التكنولوجيا -تمامًا- كما لو كانوا يستخدمونَ المخدرات أو الكحول!
يُشبهُ إدمان وسائل التّواصل الاجتماعي أيّ إدمانٍ آخر – فأحيانًا ما تحتاج إليه فحسب هو: التّخلّص من السّموم!
# ظاهرة FOMO الخوف من فوات الشيء By محمود قحطان،