وزنة الخالق
وزنة الخالق
للخالقِ سُبحانه وزنةٌ مُعجزةٌ في طباعِ النّاسِ وطريقة تعاملهم معَ الحياةِ، وزنة الخالق تجعلُ النّاسَ مُتساويين على ميزانِ المميّزات والعيوبِ بطريقةٍ مُذهلةٍ تُشبهُ القوانينَ الفيزيائيّة، ووَزن المعادلاتِ الكيميائيّة، ودقّة الحساباتِ الرّياضيّة.
الشّخصُ العقلاني -كمثالٍ- لا يملكُ مساحةً كبيرةً للعواطفِ في حياته، يحسبُ كلّ شيءٍ بحسابِ العقل والمنطق والفائدة والمهم، دون مراعاةٍ لمشاعرِ الطّرف الآخر، لا يرى في كثيرٍ من الواجباتِ الاجتماعيّة بأفراحِها وأحزانها سوى ضياعٍ للوقت، وتمثيلٍ للتّعاطفِ مع مشاعرِ الآخرين لا حقيقةَ له. يشعرُ بالرّضا عن نفسهِ في علاقتهِ مع أبنائهِ ما دام يُدبِّرُ احتياجاتهم وتربيتهم وتعليمهم، حتّى لو كبرَ أبناؤه دونَ أن يضمّهم يومًا إلى صدرهِ، وحتّى لو لم يكن حاضرًا بالقربِ منهم في لحظاتٍ مُهمّةٍ في حياتهم.
أتعرفونَ شخصًا يعيشُ حياته بهذهِ الطّريقة العقلانيّة الصّارخة؟ بالتّأكيد لا، يرجعُ السّبب إلى طباعِ الإنسان الأخرى الّتي تجعلُ من عقلانيّته شيئًا موزونًا، ويكاد يكون غائبًا في تعاملاتهِ مع النّاس، فالطّبع الاجتماعيّ يجعلُ الشّخص يهتمُّ بالنّاسِ ويُجاملهم ويُخالطهم؛ لأنّه لا يستطيع أن يعيشَ الحياةَ من دونهم، فالعقلاني -في هذه الحالة- قريبًا من الآخرين بل ومُتعاطفًا مع أحداث حياتهم؛ لأنّه اجتماعي.
قيمة (س) الأخرى الّتي تجعلُ المعادلةَ صحيحةً أيضًا، هي: أن يكون -إضافةً إلى العقلانيّة- تلقائيًّا. تعني التّلقائية: أنّ الشّخصَ مرنٌ ومتساهلٌ لا يُدقّق كثيرًا في تفصيلاتِ الأمور ويدعها تمر، ويُمكن أن يفعلَ أشياء كثيرة نزولًا عند رغبةِ الآخرين، أو اتّباعًا لأعرافِ المجتمع، أو -في أيسر الأوجه- ابتعادًا عن (وجعِ الرّأس) واللّوم واختلاق الأعذار.
يُمكن أن يُواجهَ الشّخص العاطفيّ صعوباتٍ كثيرةٍ في الحياةِ بفضلِ عاطفتهِ الجيّاشة، الّتي تُحبطهُ وتكسرهُ كثيرًا نتيجةَ تصرّفات النّاس الّتي تُخالف توقّعه؛ ولكن صفاتهُ الأخرى ستُساعدهُ عادةً، فلو كان اجتماعيًّا فإنّ كثرة مُخالطته النّاس ستجعلهُ يمتلك تصوّرًا جيّدًا وقريبًا من حقيقةِ الحياةِ والتّعاملِ بين البشر، وستجعلهُ صفته الاجتماعية قادرًا على مُسامحتهم جرّاء مواقفهم الّتي تُؤذي مشاعره؛ لأنّه يهتمّ كثيرًا بوجود النّاسِ حوله، ولو كان هذا الشّخصُ العاطفيُّ انطوائيًّا فإنّ عدم اهتمامهِ بوجود النّاسِ حولهُ سيجعلهُ أقلّ تأثّرًا بتلك المواقف الّتي تجرحهُ، فهم لا يعنون له كثيرًا؛ على هذا أسهمتْ صفاتهُ الأخرى في وَزن صفة العاطفة لديه.
يُمكننا أن نظلّ في دراسةٍ لا نهائيّةٍ للصّفاتِ والطّباع البشريّة تصلُ بنا كلّها إلى النّتيجة نفسها، وهي: أنّ النّاسَ جميعًا مُعتدلون في أصلِ خلقتهم، وأنّ صفةً تُزعجك في شخصٍ يُمكنك أن تجدَ مُقابلها صفاتٍ كثيرةٍ فيه تُعجبك، وفي ذلك مصداق لحديث النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: «لَا يَفْرَكْ([1]) مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ».
# وزنة الخالق By محمود قحطان،
مقال رائع اخى
جانبا الخير والشّر، والجيّد والقبيح، في كلّ نفس بشريّة. شكرًا لك.