صبر جميل
صبر جميل
عندما تكسرُني رتابةُ الوَقتِ، أُدَحرِجُ عينيّ إلى الشّارعِ لأستفزَّ كائنَ الضّوءِ، أُنمّصُ حَاجبَيهِ فيبدو كمَاردٍ غَائمٍ ضَاجَع من تَوّهِ خاصِرةَ جِنيّة، فسقطَا في زُقَاقٍ باردٍ أعمَى. ولأنّ لا مِسَاحةَ لاختزالِ فوضَى الضّوءِ وحَزْمِها في حقيبةٍ مُعلَّبَةٍ؛ أبقى مُلتصِقًا بالعَجزِ، فوقَ شَوكِ الدّمعِ الفاسِد، فكلّ قِرَبي المثقوبة تُعبِّرُ عن بؤسٍ أوحَد.
أقِفُ مشدوهًا ومُشوّشًا، أُمسِكُ بُلعوم الخِذلان أُحاولُ اجتثاثَ عُشبِ الأفواهِ الكبيرةِ الّتي بلَعَتْ كلّ المارّة، وحوّلتهم إلى إسفَنجةٍ خاوية؛ ليكونَ لي فقدُ الأشياءِ الجميلةِ مشروعًا ناجحًا، والذّاكرةُ مشروعُ مُنعطفٍ غائم.
مَا هذهِ الأرضُ الّتي تَستفزُّها لعنَةُ الإسفَلتِ؟ قدمَايَ النّائمتانِ تُفكّرانِ باغتيالي أو بالتّلاشي عندمَا يتشقَّقُ باطنهُما المُقَوَّس كإغمَاءةٍ تغفُو في ظَلامٍ مُربِكٍ وسَحيق، والخُطُواتُ يُثقِلُها إيقَاعُ النّاي البَاكي فَوقَ رَصيفٍ مَيِّتٍ لا نَبضَ فيهِ ولا صَرير.
كلُّ شيءٍ؛ يقودُني إلى تقيّؤِ الأشياءِ الّتي عَرفتُها، حينَ أزحفُ كَدودةٍ أُصبِحُ كالمَغيبِ، أنسَاني، وأنسَى أنّني نسيتُ نسيانَ أنّني أنسَى! يا الله، أعطِني –ولو كَذِبًا- صبرًا جميلا.
صبر جميل By محمود قحطان