تطوير الذات والتنمية البشرية

التحفيز أو التلاعب Motivation or Manipulation

التحفيز أو التلاعب Motivation or Manipulation

التنظيم العاطفي emotional regulation

ما مقدار الاعتلال العاطفي الّذي يجبُ أن تُصاب به، وكيف تحسبهُ؟
إذا أخفقت في السّيطرةِ على عواطفك ستحدثُ فوضى. مثال: تستيقظُ صباحًا مع ألمٍ في جانبك. حسنًا، هذا هو أوّل أعراض سرطان البنكرياس. أنت ميّتٌ في غضونِ ستّة أشهر، نسبة حدوث هذا الشّيء هي 100%. أو، الخيار الثّاني: لديك تشنّجٌ عضليّ.
حسنًا، ما هو؟ سرطان البنكرياس أم تشنجٌ عضليّ؟ إن فرصَ الإصابةِ بسرطانِ البنكرياس مُنخفضة؛ ولكنّها ليست صفرًا، ومثل الأزمنة اللّانهائيّة infinite times فإنّ أيّ نسبة هي عددٌ كبيرٌ جدًّا؛ لذا قد تُفكّر: لماذا لا يكون لديك نوبة صراخ مُناسبة فحسب؟  في أيّ وقتٍ يحدثُ شيءٌ صغير لا يُذكر تفقدُ السّيطرةَ على العواطفِ وتبدأ بالصّراخ والبكاء!
هذا ما يحدث تمامًا عندما يكون عمرك سنتين. كلّما حدث شيءٌ صغيرٌ لك… تصرخ! هذا ما تفعلهُ لأنّك لا تعرف، لا تعرف أنّ مثل هذه الأشياء تحدث وأنّك قد تفقدُ السّيطرةَ على الوضع.

مثال آخر: لنفترض أنّك تتجادل مع زوجتك. هي تُعدّ وجباتِ طعامٍ رديئة lousy أو رُبّما هي لا تطبخ بتاتًا، وهذا يجعلك غاضبًا وغير قادرٍ على تحمّلها لمُدّةٍ أطول. تقول لزوجتك: «أنتِ شخصٌ سيء، أنتِ لستِ زوجةً سيّئةً فحسب، بل أنت سيّئة دومًا، ويبدو أنّ أرجحيّة Probability تحسّنكِ في المُستقبل هي: صفر».
ماذا يُفترض على زوجتك أن تفعله؟ تلكُمك، أليس كذلك؟ لأنّه لا يوجد مكان لأيّ مُناقشة. أنت انتهيت! الأمرُ شائعٌ، أنت مُرعبٌ ولا تتغيّر، وكنت دائمًا فظيعًا ولم تتغيّر قط، ويُمكننا استنتاج أنّك ستظلّ فظيعًا ولن تتغيّر مُستقبلًا. على هذا الوجه فإنّ أيّ مُناقشة ستنتهي فورًا. إنّها فكرةٌ سيّئةٌ حقًّا وهي تحدثُ دائمًا، أي: عدم قدرتك على التّنظيم العاطفي ما يُحيلُ الأمورَ إلى فوضى؛ ولهذا السّبب لا يستطيع النّاس إجراء مُناقشة مُتحضّرة ومُهذّبة من دون أن تُفسدها العواطف.

Punch min - التحفيز أو التلاعب Motivation or Manipulation
Punch

مثال آخر: لديك طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، وتُريد منه أن يُنظّف غرفته المليئة بالألعاب. أنت تنظرُ إلى الغرفةِ وتنظرُ إليه وتقول: «انظر/ي، نظّف/ي هذا المكان، نظّف/ي غرفتك». تُغلقُ باب الغرفة وتذهبُ بعيدًا وأنت تأمل بطريقةٍ سحريّةٍ ما أن تجد الغرفةَ نظيفةً عندما تعود؛ ولكن بالتّأكيد ليس لدى الطّفل أيّ فكرة، هو لا يعلم ماذا يعني تنظيف الغرفة.

لأوضّح أكثر، ماذا تعني فكرة تنظيف الغرفة؟ تعني: ترتيب، والتّرتيب هو شيءٌ جيّد، والتّرتيب الجيّد يعني أشخاص جيّدون؛ ولكن هل طفل في هذا العمر يفهم معنى التّرتيب والفوضى؟ بالتّأكيد لا. الشّيء الوحيد الّذي يعرفه هو الألعاب. مُستوى ذكاء الطّفل في هذا العمر لا يُساعده على فهم التّرتيب أو التّنظيم وإدراك الفوضى. الأمر كما لو قلت لطفلك: «هناك فوضى في كلّ مكان، كن شخصًّا جيّدًا». ثمّ تعود بعد نصف ساعة وليس ثمّة شخصٌ جيّد، الغرفة ما زالت في فوضى. ماذا يحدث؟ أنت تغضب. لكن لا يُمكنك أن تفعل ذلك.

إذًا الطّريقة الّتي اتّبعتها خطأ، ماذا يجب أن تفعل؟ ابحث عن لعبةٍ لديه يُحبّها ويعرفها، ولتكن الدب تيدي teddy bear يجبُ عليك أن تقول: «انظر إلى دُمية الدّب تيدي». أنت تعرف أنّ هذا الطّفل يعرف كيف يرى الدّب تيدي ويعرف كيف يلتقطه؛ لأنّك شاهدتهُ وهو يلتقطه، وتعرف أنّه يعرف اسمه، إنّه الدّب تيدي.
هكذا، أشر إلى الدّب تيدي وأنت تقول: «هل ترى الدّب تيدي؟» فيقول: «نعم». تقول: «هذا جيّد». ثمّ تبتسم وتربته أو تمسده بمودّةٍ للسّماح له بمعرفة أنّه أدّى عملًا جيّدًا. ماذا يحدث؟ يحصلون على جرعةٍ من الدّوبامين dopamine. ما الدّوبامين؟ مادّة كيميائيّة عصبيّة تجعلك تشعرُ بحالةٍ جيّدة. إذًا: هذا يوم سعيد للطّفل. يبتسمُ لك فتشعر أنت بهذه السّعادة أيضًا، ثمّ تقول: «أتظنّ أنّه يُمكن أن تلتقط الدّب تيدي؟» يقول: «نعم»؛ لذلك يذهبون لالتقاطهِ -ليس كلّ الأطفال بالمُناسبة- ثمّ تقول: «هل ترى تلك المِساحة الصّغيرة على الرّف؟» إنّك تعلم أنّهم يعرفون ما الرّف وتعرف أنّهم يعرفون ما الفراغ، وتقول: «خذ الدّب وضعه في الرّف»، فيذهبون إلى هناك ويضعونه في الرّف وهم ينظرون إليك ويبتسمون؛ وعلى هذا يزداد احتمال أن يفعلوا ذلك مرّة أُخرى؛ لأنّه في المرّة الأولى ارتفع مستوى الدّوبامين لدى الطّفل، في المرّة الثّانية سيضعهُ من تلقاء نفسه وسيذهب ليقول لأبيه: «يا أبي، لقد وضعتُ الدّب في المساحة الفارغة»، فيقول الأب: «أنت رائع، عمل جيّد»، وهذا مزيد من الدّوبامين. الآن أصبح في عقل الطّفل فكرة أنّه كلّما وضع الدّب في الرّف فوالده سيُصبح سعيدًا، وهكذا مع أشياء أخرى غير الدّب؛ ولأنّني أريدُ أبي سعيدًا أكثر سأرتب الفوضى في الغرفة، وبهذا يتعلّم الطّفل معنى التّرتيب والتّنظيم، صحيح أنّ الفوضى أكثر جاذبيّة لهُ لأنّه يُحبّ أن يرى ألعابه مُتناثرة في كلّ مكان؛ ولكن التّرتيب يعني مزيدًا من السّعادةِ. مع كلّ ابتسامةٍ جديدة، تنتجُ دفعة من الدّوبامين لتُعزّز هذه الدّائرة.

لذا، أوصي بشدّة أن تفعل ذلك مع أطفالك ومع شركائك. هذا تلاعب وليس تحفيزًا ولكنّه تلاعبٌ إيجابي. راقبهم مثل شخص مُتستّر، أي: من دون أن يُلاحظوا أنّك تُشاهدهم، وفي كلّ مرّة يفعلون شيئًا تُريدهم أن يفعلوه فعلًا: تنتبه إليهم، وتبتسم، وتربت على رأسهم قليلًا، أو تُقبّلهم على خدودهم. ثمّ يُحبّونك. هذا رائع! لا تُركّز على الأشياء السّيئة، بل ركّز على الأشياء الجيّدة.

Pat pat min - التحفيز أو التلاعب Motivation or Manipulation
Pat-pat

العقاب أم التّجاهل؟

إذا كنت لا تُريدهم أن يحبّوك -النّاس عمومًا- لأنّك تكرههم، فلا تعطهم مزيدًا من الدّوبامين، ولكن أنت تقول: «حسنًا، كلمة أكرهم كبيرة وأنا لا أكرههم. أنا فقط…». لا، أنت تكرههم حقًّا، فكّر في آخر شهر مثلًا، وستجد أنّك كرهتهم في الأقلّ عشرين مرّة. ربّما هذه هي العاطفة السّائدة predominant وهي ليست جيّدة على مرّ الزّمن. حسنًا، عندما يفعلون شيئًا جيّدًا وتُريد أن تُفسد الأمور حقًّا، راقبهم كصقرٍ، وانتظر حتّى يفعلوا شيئًا جيّدًا، ثُمّ عاقبهم!

  • حبيبي، لقد صنعتُ كعكًا لذيذًا.
  • كعك! ماذا، أتُريدين أن يزيد وزني؟!

لا تمنحهم الدّوبامين. إزعاجُ الآخرين مُمتعٌ فعلًا، وهذه هي الفوضى، والنّاس يفعلون ذلك طوال الوقت! حتّى وإن لم تعترفْ!

إذا أردت أن تسوء الأمور أكثر، يُمكنك فعل ذلك بدهاء أو بوضوحٍ أقلّ subtly، يُمكن الانتظار حتّى يفعلوا شيئًا جيّدًا خاصّةً إذا لم يفعلوه قبل مُدّة؛ وعندئذٍ تجاهلهم. مثلًا: تعرفُ زوجتك أنّك تُحبّ الكعك ولكنّها لم تصنع الكعك قبل ذلك؛ ولكنّها تُحاول أن تصنعهُ الآن من أجلك لتجعلك سعيدًا.

  • حبيبي، أنا أصنع الكعك.
  • ………….. (تجاهل!).

هذا أفضل من مُعاقبتهم، في الأقلّ عندما مُعاقبتهم فأنت مُهتم. إذا تجاهلتهم فأنت لا تبذل أيّ جهدٍ.

أخيرًا، أخبرني في التّعليقات:
ما الفرق بين التحفيز والتلاعب بشخصٍ ما؟

التحفيز أو التلاعب Motivation or Manipulation بوساطة: محمود قحطان،

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!