بين راحتين من ورق

مزرعة الحيوان Animal Farm جورج أورويل

مزرعة الحيوان Animal Farm جورج أورويل

الحكيم (ماجور) هو أوّل حيوانٍ انتبه إلى حقيقةِ أنّ الإنسان يستبدّ بحياةِ الحيوان ويحرمهُ حقوقه، ويتمتّع بخيراتِ لحومهِ وألبانهِ وما يفعلهُ من أعمال؛ لذلك دعا إلى ثورةِ الحيوان على الإنسان وتولّيه شؤونه الخاصّة، وكان لتلك الثّورة الّتي اقترحها سبعة قوانين هي دستورُ عالم الحيوانِ الجديد، وتنصّ على:

  1. أوّلًا: كلّ الحيوانات سواسيّة.
  2. ثانيًا: يُمنع نوم الحيوانات على الأسرّة.
  3. ثالثًا: لا يجوز ارتداء الملابس.
  4. رابعًا: ممنوعٌ شرب الخمر.
  5. خامسًا: لا يقتلُ حيوانٌ حيوانًا آخر.
  6. سادسًا: كلّ من يمشي على قدمين هو عدوّ الحيوانات، وهم الأشرار.
  7. سابعًا: كلّ من يمشي على أربع أو لهُ جناحان هو صديق الحيوانات، وهم الأخيار.

تُوفّي الحكيم قبلَ أن تتحقّق دعوته؛ ولكن بعد وفاته ثارتْ حيواناتُ المزرعةِ الّتي عاشَ فيها ودعا واستولوا على المزرعةِ من مالكها المخمور، وأصبحَ أمرُ الحيواناتِ بأيديهم، وانتظموا تحت قيادةِ عددٍ من الخنازير الّتي كانت تملكُ ذكاءً وقدراتٍ في التّخطيط والتّنظيم والإدارة؛ في حين واصل كلّ من الحصان (بوكسر) والحمار (بنيامين) عملهما الجادّ والمُخلص في جمع إنتاج الحيوانِ وتنظيمهِ وجميع ما يُوكل إليهم من مهام؛ مع أنّ لكلٍّ منهما روحًا مُختلفة، فبوكسر مليءٌ بالتّفاؤلِ؛ في حين يحملُ بنيامين تشاؤم العالم.

بدأتِ الحيواناتُ تحصلُ على وجباتِ طعامٍ أكثر، ولم تعدْ تُعرّضُ للضّرب أو الإجبار، وذاقتْ طعمَ الحُريّةِ والمُساواة والعيش الكريم، حتّى بدأتْ أخبار المزرعة وما أنتجته ثورة الحيوانات فيها من خيرٍ تصلُ إلى حيواناتِ المزارعِ الأُخرى في انجلترا، بوساطة الحمام الّذي كان يُؤدّي الدّور الإعلاميّ اللّازم للتّشجيع على الثّورةِ، ولتأكيدِ قوّة الوضع داخل المزرعة وثباتهِ حتّى لا تكون عرضة لأطماع بني الإنسان، وهو الدّور الّذي يتضامنُ مع الاستعدادِ العسكريّ داخل المزرعة لأيّ هجومٍ مُحتمل، هذا الاستعداد كان سببًا في حمايةِ المزرعةِ من هجوم صاحب المزرعة القديم مع ستّةِ رجالٍ مُسلّحين، وكان فضلُ كسبِ الحيواناتِ المعركةِ يعودُ إلى خطّةٍ محكمةٍ خطّط لها ونفّذها (سنوبول) الخنزير الأعلى قدرة على التّنظيم والتّخطيط، الّذي كان يمتلكُ بصيرةً نافذةً ساعدتهُ على الّدوام في استباق الأحداث واستشرافِ المُستقبل.

كانت إحدى الأفكار الّتي عملَ عليها (سنوبول)، فكرة بناء طاحونة للحيواناتِ تُوفّر بحركة أجنحتها الضّخمة قدرة المزرعةِ الكهربائيّة الّتي ستُستخدمُ في الإنارةِ وتشغيلِ آلاتِ الحرثِ والطّحنِ، وتطلّب منهُ الأمر تعلّم القراءةِ، وهي: إحدى نواتج الثّورة؛ لأنّ حيوانات كثيرة تعلّمت: الحروف الهجائيّة وذلك بحسب قدراتهم العقليّة، وقراءة الوصايا السبع، وحفظوا -عن ظهرِ قلبٍ- نشيدَ الثّورةِ الّذي ينشد في اجتماعاتِ الحيواناتِ الّتي كانت تجري دوريًّا لتُقدّم لهم إحصائيّاتِ منتجات المزرعةِ ومشروعاتها المستقبليّة. قرأ (سنوبول) كثيرًا من الكتبِ عن التّصميمِ والمعمارِ وبناءِ الطّواحين، إلى أن استطاعَ رسم تصميمٍ لبنائها، الّذي كان سببًا في إثارةِ غيرة (نابليون) وحنقهِ، (الخنزيرُ الآخر الّذي كان يُوازيه في الطّموحِ والقدرةِ على القيادةِ، إلّا أنّهُ يختلفُ عنه في المبادئ والتّوجّهات؛ ما كان يُسبّبُ خلافات ونقاشات بينهما).

أشاع (نابليون) أن (سنوبول) عميلٌ يتواصلُ مع مالك المزرعةِ القديم وهو من نظّم له معركتهُ الّتي أراد بها استرداد المزرعة! وأنّ ما أظهرهُ من شجاعةٍ وفداءٍ في ذلك اليوم إنّما كان بغرض الخداع والتّغطيةِ على ما يفعلهُ في الحقيقة؛ ولأنّ ما يقولهُ (نابليون) كان يَلقى مُقاومة شديدة في نفوسِ الحيواناتِ، استعانَ بالقوّةِ لتنفيذِ ما ينوي فعلهُ، ففي اجتماعٍ لحيواناتٍ عقده (نابليون) وقال فيه إنّه سيبدأُ في التّعاملِ مع وسيطٍ من البشرِ لبيع جزءٍ من إنتاج المزرعة ثارَ (سنوبول) ورفضَ الأمر، فما كان من (نابليون) إلّا أنْ أطلقَ خلفه كلابًا كانَ قد أخذها من والديهما وهي جراءٌ صغيرة، وربّاها لتكون ذات ولاءٍ كاملٍ له، أطلقها خلفَ (سنوبول) الّذي ركضَ خائفًا إلى خارجِ المزرعةِ، ولم يرهُ أحد بعدئذٍ مرّةً أخرى.

منذ ذلك اليوم و(نابليون) يسيرُ في المزرعةِ مُحاطًا بكلابهِ القويّةِ ليُخيف جميع الحيواناتِ من عصيانِ أوامرهِ، وأمرهم ببدءِ العمل ببناءِ الطّاحونة الّتي أكّد لهم أنّهُ من رسمَ مخطّطاتها ولم يكن (سنوبول) سوى سارقٍ استولى على أفكارهِ وقدّمها باسمهِ! بدأتِ الحيواناتُ بالعملِ الجادّ والمُرهق لبناء الطّاحونةِ، فقد كان (سنوبول) قد وضّح لهم الفائدة الّتي ستعودُ إليهم من بنائها، وكانَ الحصانُ (بوكسر) أكثرهم عزيمةً، فقد كانَ شعارهُ في الحياةِ «سأعملُ أكثر»، وكلّما كانتِ الحيواناتُ تُصابُ بالإرهاقِ والتّعبِ كانتْ تعودُ إلى العملِ عندما يرون (بوكسر) وهو يعملُ دونَ كللٍ أو ملل.

مع ما تبذلهُ الحيواناتُ من جهدٍ أصبحت تحصلُ على وجباتٍ أقلّ، فقد أقنعهم (نابليون) بأنّ هذا لأجل توفير المال لمُستلزماتِ بناءِ الطاحونةِ وتشغيلها، إلى أن وصلوا إلى حدٍّ أقلّ بكثيرٍ ممّا كانوا يحصلونَ عليهِ في عهدِ صاحبِ المزرعةِ، وصارتْ كلابُ (نابليون) تُجبرهم  على العملِ وتُخيفهم كما كان يفعلُ معهم الإنسان تمامًا، وحتّى لا تحنّ الحيواناتُ إلى عهدِ (سنوبول) كانت إشاعاتٌ مجهولة المصدرِ تُطلقُ في كلّ حينٍ عن أنّ (سنوبول) قد استقرّ في أحدِ المزارعِ المُجاورةِ، وأنّهُ قد تعاهدَ مع بني الإنسان على أبناءِ جنسهِ، وكانتْ إعداماتٌ تجري في كلّ حينٍ على حيواناتٍ يزعمُ (نابليون) أنّه اكتشفَ تواصلًا سريًّا بينها وبين (سنوبول) لأجل أعمالٍ تخريبيّةٍ داخل المزرعة.

لأنّ كثيرًا ممّا هو موجودٌ ومُشاهد في المزرعةِ يختلفُ عمّا نصّتْ عليهِ الوصايا السّبع، أصبحت (كلوفر) -وهي فرسٌ تعيشُ في المزرعةِ- تُداوم على الذّهاب إلى المكانِ الّذي كُتِبتْ فيه الوصايا لإعادةِ قراءتها، وفي كلّ مرّةٍ كانتْ تجدُ شيئًا جديدًا ومختلفًا عمّا حفظتهُ في السّابق، ففي حين كانت الوصيّة الأولى تنصُّ على «كلّ الحيوانات سواسيّة»، أصبحتْ تقول: «كلّ الحيوانات سواسيّة؛ ولكن بعضهم أكثر مساواةٍ من بعضهم الآخر»، وهي القاعدةُ الّتي على أساسها أصبحتِ الخنازيرُ مُفضّلةً عن بقيّةِ الحيواناتِ وذات نفوذ داخل المزرعة، وبُنيتْ لأبنائها مدرسةٌ خاصّة بهم لتعليمهم، وهذا قبل أنْ ينتقل (نابليون) إلى بيتِ صاحبِ المزرعةِ القديم، ويسكنهُ وحاشيتهُ من الخنازير.

بعدئذٍ تغيّرتِ الوصيّةُ الثّانية والرّابعة أيضًا، فأصبحتْ تسمحُ بنومِ الحيواناتِ على الأسرّةِ، وشربهم الخمر، لتتحوّل الخنازيرُ المُوالية للحكمِ إلى طبقةٍ مخمليّةٍ تبدوا عليها جميع مظاهر التّرفِ الّتي كان يختصّ بها الإنسان.

احترقتِ الطّاحونةُ بفعلِ جماعةٍ من البشرِ غزوا المزرعة؛ وفي حين كانتِ الأسبابُ الحقيقيّةُ هي شنّ (نابليون) حملةً إعلاميّةً على صاحبِ أحد المزارع القريبةِ، كان (نابليون) قد أظهرَ التّحالفَ معهُ خداعًا، الأمر الّذي ردّ عليهِ صاحبُ المزرعةِ الأخرى بحرقِ الطّاحونة؛ إلّا أنّ الإشاعاتِ الّتي أطلقها (نابليون) أكّدت لهم أنّ (سنوبول) هو من يقفُ وراء الأمر.

حتّى يستعيد (بوكسر) حماسته ليُعاود العمل على الطّاحونةِ الّتي احترقتْ داوم على ترديدِ شعاره «سأعمل أكثر»، وأضاف إليه شعارًا آخر هو «نابليون دائمًا على حقّ»؛ وذلك ليستطيع مُقاومة صوت الضّمير داخله الّذي كانَ يُثبتُ لهُ أنّ (سنوبول) ظلّ يعملُ من أجلِ مصلحةِ الحيوانات، ولم يكن يستأثرُ لنفسهِ بشيءٍ دون الآخرين كما يحدثُ في المزرعةِ في عهدِ (نابليون).

مع الأيام بدأتْ قوّةُ الحصانِ (بوكسر) تضعفُ، وأصبحَ غير قادرٍ على العملِ، فوعدهُ (نابليون) بأن يأخذهُ إلى مُستشفى بيطري للكشفِ على حالتهِ وإعطائه علاجًا مُناسبًا؛ ولكن عربة النّقل الّتي أخذت (بوكسر) لم تكن سوى عربةٍ مُتخّصصةٍ لأخذ الحيواناتِ للمذبح للاستفادة من لحومها؛ الأمرُ الّذي لم يفطنْ لهُ سوى (بنيامين) الحمار الّذي أثبتتْ لهُ الأيّامُ صحّة تشاؤمه.

حتى اللّقطة الأخيرة واظبت الفرس (كلوفر) على الذّهابِ إلى قراءة الوصايا السّبع الّتي وجدتها قد مُحيَت، وجُمعت في عبارةٍ واحدةٍ: «ذوو الأربع أخيار وذوو الاثنين أشرار». إنّ جميع قوانين تعامل الحيوانات مع بعضهم الّتي تحفظُ حقوقهم قد مُحيَتْ إلى غيرِ رجعة.

وصلتِ الحيواناتُ إلى مرحلةِ البؤس، مكتفية بالنّظرِ إلى الخنازيرِ من نوافذِ منزل (جونز) وهي ترتدي الملابس، وتنامُ على الأسرّةِ، وتتشاركُ مع أصدقائهم من البشرِ لعب الورق وشرب الخمر، وكلّ من يجرؤ على الاعتراضِ ستكونُ كلاب (نابليون) له بالمرصاد، إلى أن تلاشت الحدود الفاصلة بين بني البشر وجنس الحيوانات، فلم تعدْ حيوانات المزرعة قادرة على التّمييز بينهم!

استطاعتِ الرّوايةُ أنْ ترمزَ إلى عالم الإنسان بوساطةِ عالم الحيوان، وتصوّرُ ما يحدثُ عندما تثورُ مجموعةٌ من البشرِ على نظامها الظّالم لها، وكيفَ أنّ هذه المجموعة الجديدة ستكونُ في محصّلتها شبيهة بالمجموعةِ الأولى؛ فمعَ مرور السّنواتِ وتدفّق الخيراتِ يستولي الطّمعُ على النّفوسِ البشريّةِ ويدعوها إلى الاستيلاء على النّصيب الأكبر من المواردِ، ومحاباة بعضها بعضًا، واستخدام القوّة لإجبار النّاس على الإذعان والاستسلام، وتغيير القوانين بحسب المعطياتِ الجديدةِ لتُضفي شرعيّةً على الظّلم والجور… والانقلاب!

مع أنّ سنواتٍ مرّت على نشر هذه الرّواية؛ إلّا أنّها تظلُّ نابضةً بالحياةِ، وشاهدةً على عصرٍ عاشهُ كاتبها وعصورٍ أخرى لم يعشْها، وتلك عبقريّةُ العملِ الإبداعيّ في أحسن صورها.

يُمكن مُشاهدة فيلم الكرتون التّالي لمن لا يُحبّ القراءة.

https://www.youtube.com/watch?v=krm6_RWhbmA

مزرعة الحيوان Animal Farm جورج أورويل By محمود قحطان،

محمود قحطان

مدقق لغوي، وشاعرُ فُصحى، ومُهندسٌ مِعماريٌّ. أحد الشُّعراء الَّذين شاركوا في موسم مُسابقة أمير الشُّعراء الأوّل في أبوظبي، حيثُ اختير ضمن أفضل مئتي شاعر من ضمن أكثر من (7500) شاعرٍ من جميع أنحاء العالم. نُشر عددٌ من إنتاجه الشّعريّ في الصّحفِ المحليّة والعربيّة، وأصدرَ أربعة دواوين شعريّة وكتابًا نقديًّا. مؤمنٌ بالفكرِ الإبداعيّ وأنّ كلّ ذي عاهةٍ جبّار.

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. فعلا هذا ما يحصل مع مرور الزمن هناك الاشرار مثل نابليون والاخيار مثل سنوبول ونحن نستسهل ونثق بالشر لانهم يخدعوننا بمهاره ونحن لم نعلم من منهم على حق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!